كوثر العزاوي ||
إنّ من أهم النقاط التي ركّز عليها القرآن الكريم وأكده النهج القويم لمحمد وآله"عليهم السلام" هو بناء الإنسان الاجتماعي، لأنه هو الذي يحقق عملية الانسجام والإستقرار والوحدة، وبالتالي تتم عملية صناعة المجتمع السليم، فالإنسان هو جزء من المجتمع، ولو كان الإنسان أنانيًا أو عنيفًا أو عدوانيًا أو مصلحيًا وصوليًا بلاشك سيكون منشقًا عن المجتمع ومختلِفًا، وبالتالي سيكون مدمِّرًا له مهما تصنّع الصلاح، لاسيما إذا تعدّد هذا النوع من الأفراد الذين يعملون بأسلوب الانشقاق والتفريق، وخصوصًا إذا لاقى هذا النوع تأييدًا وقبولًا من عوام الناس، ومن هنا نجد، أنّ ماورد في سيرة الإمام الهادي"عليه السلام" ونحن نعيش ذكرى شهادته، أنه اعتمد منهجًا تربويًا متكاملاً من أجل بناء المجتمع الصالح وحصانته في مواجهة الانحراف وتقديم النموذج الإيماني للمجتمع الذي كان يمثّله أهل البيت "عليهم السلام" وأتباعهم، فسعى الهادي من آل محمد"عليهم السلام" اعتماد عملية بناء النفس من الداخل والخارج من خلال تهذيبها وربطها بخالقها العظيم "سبحانه وتعالى" وهذا هو "الجانب التهذيبي" والذي يؤسس إلى إيجاد الجانب التنظيمي في بناء الإنسان من أجل رفد قدرته على تجاوز المحن والصعاب خلال مسيرة الحياة الحافلة بالمصاعب والمشاق والمعوقات، وبذلك أثمر هذا المنهج التربوي حينما قدّم الإمام "عليه السلام" إنموذجًا ناصعًا كالصحابيّ الجليل "شاه عبد العظيم الحسني، وعثمان بن سعيد، وإبراهيم بن مهزيار" ومما ورد في تربيته في مجال التهذيب عبر توجيهات مولانا الإمام الهادي "عليه السلام" ماقاله لأحد مواليه: كاتِبْ فلانًا وقلْ له: {إن اللهَ إذا أراد بعبدٍ خيرًا، إذا عُوتِبَ قَبِلَ العتاب}! فالإمام هنا يحدّد مسألة مهمة تعترض الإنسان وهي مسألة حبّ الظهور وميلهِ للأضواء ولابدّ لمَن هو في ساحة العمل أن يتقبّل النقد والتوجيه، وأن يرضى بالتعرّف على عيوبهِ من خلال غيرهِ من أجل إصلاحها وإبعادها عن العُجب، لئلّا تزلُّ قدَمٌ بعد ثبوتها!
كما أكّد أيضًا "عليه السلام" في قوله:
{مَن أطاع الخالق لم يُبالِ سخطَ المخلوقين، ومن أسخَطَ الخالق، فَلْيَيْقَن أن يحلَّ به سخطَ المخلوقين} يالها من تربية غنية بالوسائل الهادفة الصالحة لكل عصر وزمان، وماأحوج الإلتفات لغزير مايفيض علينا من ينابيع الهدى في مثل زماننا! فلاينبغي الغفلة عن نهج آل محمد "عليهم السلام" لتنمية إنسانية الإنسان وتعزيز قوة شخصيته تجاه المغريات وما يواجه من اضطهاد وتقلّبات! ومما قاله "عليه السلام" أيضا على سبيل التهذيب والبناء قوله:
{مَن أمِنَ مكر الله وأليمَ عذابه، أخذهُ تكبّر حتى يحلّ به قضاؤه ونافذَ أمره، ومَن كان على بيّنةٍ من ربّهِ هانت عليه مصائب الدنيا ولو قُرِّضَ ونُشِر} حقّا إن طريق آل محمد صعب مستصعب فطوبى للثابتين!
علمًا إنّ ماوردَ عنه"عليه السلام" هو جزء من وسائل كثيرة تساهم في عملية البناء الروحي للمجتمع، إضافة الى الرسائل المكتوبة التي تهدف الى ربط الناس والمجتمع بالمعصومين عبر ظاهرة الزيارة وتداولها، إذ صدر عنه"عليه السلام" "الزيارة الجامعة، وزيارة أمير المؤمنين يوم الغدير، وزيارات متعددة للأئمة "عليهم السلام" وما تحمل من غرر الحكم والمضامين التي ترقى بالإنسان إلى الكمالات الروحية وربط العقل بالمطلق لتحصيل التوازن والاعتدال الفكري والروحي، فكان منهج الإمام الهادي التربوي السليم باكورة لإعداد جيل من الثقاة رواد الفكر الأصيل من الدعاة إلى الله وتبليغ رسالة السماء ونشر علوم آل محمد"عليهم السلام" في مختلف أطراف البلاد، فضلًا عن التصدي للانحرافات الفكرية والعقائدية ومواجهة ظواهر الكفر والإلحاد آنذاك مما ساهم في امتداد هذا الخط الأصيل وبذات النهج المحمديّ الأصيل في كل عصر والى يومنا هذا، ولعل من المناسب لنا جميعا في كل مناسبة لأي من المعصومين "عليهم السلام" أن نخرج بدرس عمليّ ثابت من حياة وحركة ذلك المعصوم، فما أحرانا أن نلتفت متّبعين مثل ماأوصى إمام المتقين"عليه السلام" بقوله المبين:
{انظروا أهل بيت نبيّكم، فالزموا سَمتَهُم واتّبِعوا أثرهم، فلن يُخرجوكم من هدىً ، ولن يُعيدوكم في ردىً ، فإن لَبَدوا فالبِدوا، وإن نهضوا فانهضوا، ولا تسبِقوهم فتضِلّوا، ولا تتأخروا عنهم فتَهلَكوا}
فلنتأمل!!
٢-رجب الأصب١٤٤٤هج
٢٥-١-٢٠٣٢م
ــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha