كوثر العزاوي ||
إن أعدنا النظر في قواعد حياتنا وترتيب أولوياتنا، ثم حاولنا استبدال قاعدة السخط والاستسلام بقاعدة الرضا والتسليم ، كان ذاك سبيلٌ من سُبل النجاة التي يُكتَسب منها السكينة والقرب من الله العزيز، وإن فازت قلوبنا بالسكينة إزداد إيمانُنا وتمكّن، وخلت قلوبنا من غير الله، وهذا الذي منذ أن خُلِقنا نسعى إليه ونبتغي حصوله، ولكن لايحصل إلّا بعد هزائز من الاختبار والمحن، وبعد أن يجد المؤمن نفسه وحيدًا عاجزًا، وقد انقطعت به السبل، ليسلّمَ كلّهُ لله القدير وقد أيقن أن لااحد قادر على انتشاله واحتوائه مهما ادّعى الإخلاص، ثم لم يلبث حتى يدركه "عزوجل" منتشِلًا حِملَهُ ليخفّف عنه ليستقيم، وماذلك سوى محض لطفٍ وعناية، فَلنستَعِن بالله وننهض وعلى بركته نبدأ،
{هُوَ ٱلَّذِیۤ أَنزَلَ ٱلسَّكِینَةَ فِی قُلُوبِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ لِیَزۡدَادُوۤا۟ إِیمَـٰنࣰا مَّعَ إِیمَـٰنِهِمۡۗ وَلِلهِ جُنُودُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللهُ عَلِیمًا حَكِیمࣰا}الفتح ٤
يقول الإمام الخميني"طاب ثراه":
{الإنسان في هذا العالم معرّض لأمور شتّى، فهو عرضة أحيانًا لأن تنزل به المصائب، كما أنّه قد يلاقي إقبالاً من الدنيا فيبلغ فيها المقام والجاه ويحصل على المال ويُحقّق أمانيه وينال القدرة والنعمة واللذة، وكلا الحالين ليس بثابت، فلا ينبغي أن تُحزنك المصائب والحرمان فتُفقدك صبرك، لأنّها قد تكون أحيانًا في نفعك وصلاحك:
﴿وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ كما لا ينبغي أن تدفعك الدنيا بإقبالها عليك وتحقيقها مايُشبع شهواتك إلى أن تتكبّر وتختال على عباد الله، فما أكثر ما تُعدّه أنت خيرًا وهو شرٌّ لك} يالها من حكمة بالغة!!
فما علينا سوى أن نزرع في نفوسنا إيمانًا أعظم وأملاً أكبر وقوة وعزمًا وهمّة، حتى نستطيع أن نواجه هذا العالم بكُل طُرقهِ الوَعِرة وسبلهِ الملتوية وفضاؤه المُعتَم ومَداه المكتظ بالأشخاص غلّظ الطباع والأشياء السلبية، كما علينا
الإدراك بإنّ كل التفاصيل التي تواجهنا، قد كُتبت قبل وقوعها، الحزن والفرح، والتعب والمرض، حتى ذاك الخذلان الذي أتى مِن مَن لم تتوقعه أن يخُذلك طيلة حياتك، كل تلك الأمور قد كُتبت ونحن نعلم بأنها خير وتستبطن مصلحة كبيرة، ولكن في أحيانٍ كثيرة نتغافل ونجهل، وقد قال"عز وجل" فينا:
{إِنَّهُ كَانَ ظَلُومࣰا جَهُولࣰا}
ومن هنا، صار لزامّا على مَن تنال منه الأقدار ويُبتلى بشتى البلاءات، ينبغي أن لا ينسى أنه في امتحان بل وفي كل خطوة لنا في هذه الدنيا امتحان! والمؤمن الممتَحَن لاشك أنه بعين الله وعنايته، ولابد أن يخرج بالصبر منتصرًا وبالتسليم عزيزًا، وإن كان صاحب قضية أو هدف سامي ورسالة نبيلة، فليستنفِر طاقاته والنهوض أولى به فهناك الأهم مما ينتظره!! فيا أيها الرساليّ رجلًا كان أو أمرأة، لا تركن إلى الأوقات الصعبة، ولا تعوّل على إستمراريتها، ولاتقعد بك الأنتكاسات عن مواصلة مسيرتك، فالمصائب تمضي، والمتاعب تمرّ مادمتَ تملك هدفًا هو الأعز عليك من نفسك وماتملك، فما بالك بمَن لايملك شيئا وقد قدّم الأغلى في سبيل الله تعالى في حقبةٍ هي الأشدّ ظلامًا إذ كان الأعم الأغلب يرتعون في الملذات وفي نعمِ الله غارقين فحتما مثله يكون الأولى بالانتصار! فكل مافي هذه الدار مؤقت عابر، البلاء والعراقيل لن تطيل المكوث في الطريق، نعم! إنها تتجوّل بين البشر جميعًا، وتحطّ رَحلِها هنا أو هناك، ثم ما تلبث أن تغادر بعيدًا، وفي أعقابها يأتي الفرج والفرح والسرور، تلك سُنة ثابتة من سنن الحياة وهي من ذات يقيننا،
{..وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}النحل ٩٦
٢رجب الأصب١٤٤٤هج
٢٥-١-٢٠٣٢م
ــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha