كوثر العزاوي ||
"آمنة" طالبة في إحدى المدارس الدينية، لها باع في حركة التبليغ الديني منذ أعوام..تغيّر حالها بعد انتكاسة ألمّت بها ماجعلها تغيب عن ساحة الحضور أيامًا طوال..نأت بنفسها عن كل شيء ماخلا درسها الذي لم ترغب في تعطيله، مضت أيام وإذا بالهاتف يرن، رفعت آمنة هاتفها إذ بها تُفاجَأ، إنه صوت أستاذتها(..) أحسّت بنسمة باردة تداعب قلبها الموجوع، حيث هناك مَن افتقدها.
آمنة؟ لِمَ كل هذا الغياب؟ واقعًا صبرتُ عليك كثيرا وفي كل يوم أتوقع منك الاتصال أو الحضور في المركز ؟ اخبريني طمنيني عزيزتي ماذا بكِ؟
لم ترد آمنة بحرف، غير أن الاستاذة(..) أحسّت بنشيجٍ هامس، ومن شدة وعيها لم تقل لها سوى كلمة واحدة،
آمنة يجب أن تأتي غدا لديّ أمرًا مهمًا بانتظارك، مع السلامة.
سَرحت آمنة في خيالها..مزيج من مشاعر الضيق والخجل قد اجتاح كيانها وقد علمت أن الأستاذة سوف لم تقنع بجواب(ماكو شي) اذا طلبت منها بيان حالها، آمنة هي الأخرى في قرارة نفسها بحاجة إلى معين يُخرجها من أزمتها، ولم تجد أكفأ من الأستاذة الستينية والمعروفة بعلمها وورعها وخبرتها في معالجة الأمور والازمات،
قررت آمنة الذهاب إلى المركز الثقافي تقديرًا ونزولًا لأمر أستاذتها لمعاودة حضورها الدوري كونها من الناشطات اللواتي لهنّ دور متميز في إدارة المركز، دخلت آمنة وأول وجه سَمحٍ تقابله هي الأم الرؤوم والاستاذة الحنون(..) اخذتها معانقة لها والابتسامة تشرق على ثغرها،
آمنة تدَنو منها على استحياءٍ وَوَجل والدمعة تترقرق في عينيها،
باغتتها قائلة: هل عاود التواصل معك تكلمي!
آمنة: استاذتي، لماذا جعله الله في طريقي وقد ألِفتُ الوحدة وكلّي رضًا واستغناء إلّا عن خالقي!
تبسمت أستاذتها بلطف، لابأس عليكِ آمنة، وعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا،
نعم استاذتي انا مؤمنة، ولكن أشعر شيئا ما انكسر في قلبي وأربَكَ جوانحي، لمْ أكن راضية عن نفسي ولن، أنا أريد الانطلاق بعيدة عن كل مايُربكني، عشقتُ وحدتي فلمّا تخليتُ عنها أصابني ماأصابني، هو أيضًا يعلم أن مشروعي خالصًا لله ولأملي صاحب الزمان، لمَ طرقَ بابي إن لم يكن أهل في احتوائي! فوالله فديته بنفسي، وأعددته لآخرتي، وكنت قد فرحتُ به كثيرا وبنيتُ صرحًا من الأمل لنبدأ معًا مشوارًا ومشروعًا إلهيًا في خدمة المذهب والإنسانية وقد التقت مشتركاتنا في طريق النهج المحمدي الأصيل طريق العطاء بلا انكفاء! والأنكى أنه يعلم أن دخوله حياتي يعني العِوض بعد الفقد والحرمان وحقبة مظلمة من الجدب والوحدة! ترى لماذا خذلني، ولماذا لم يستوعب أحلامي المعطّلة أعوامًا طوال! فقد كان أنانيًا لدرجةٍ لاتنسجم مع دينه ورساليّته، يؤاخذ على الصغيرة والكبيرة، كل جزئيات العيش كانت لديه مهمًة بل مقدسة إلّا أنا كان يجب عليّ أن أكون صخرة صمّاء حتى أكون مقدّسة مرضية لديه!! وبالتالي: أحتفَظَ بالجميع حتى بأسباب شقائه وضيَّعني!!
والغريب أن آمنة لم يسبق لها أن بكت بصوت ونشيج مثل ذلك اليوم..ماجعل الأستاذة تشعر بعمق
تأثّرها وحرارة قلبها، فأخذت تربّت على كتفها لتهدئتها، وفي الوقت ذاته ترى أنّ آمنة بحاجة إلى أن تفضفض تراكماتها وتبدِّد ماربض على روحها من آلام لتعود تلك المرأة التي تنبض نشاطا وحيوية فلديها من المهامّ التي تنتظرها، هدأت قليلا ثم نظرت في عينيّ استاذتها التي احتضنت أوجاعها وقالت كلمة واحدة أنهت بها معاناتها بعين الرضا قائلة:
استاذتي لاتؤاخذيني، مع بداية أشهر النور سأنهض من جديد لاتقلقي، عذرا لم أتمنى يومًا أحد يرى دموعي وضعفي لولا بلوغ السيل الزبى!!
الأستاذة: بعد تنهيدة معبّرة، آمنة هيّا عزيزتي، لنلتحق بالمحاضرة من أولها سوف تحاكي الكثير من أشجاننا، والله ولي التوفيق،.
دخلت آمنة مع استاذتها لحضور محاضرة اليوم لإحدى الأستاذات وقد حلّت ضيفة من إحدى البلدان الإسلامية بدعوة من إدارة المركز..
وهي تلملم شعث روحها المحطمة، تسترجع تارة وتستغفر تارة أخرى حتى هدأ الروع باستحضار نظرة من الراعي الذي لايهمِلُ رعاية يتاماه!!
٢رجب الأصب١٤٤٤هج
٢٥-١-٢٠٢٣م
ــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha