المقالات

هذا هو الحدث والمتغير في الطريق


محمد شريف أبو ميسم ||

 

في السادس عشر من كانون أول الماضي كتب على "موقع الواح طينية" مقالا حمل عنوان "ثمة حدث في الأفق" على أثر توقيع وثيقة شراكة ستراتيجية شاملة بين الصين الطامحة لتواجد أكبر في أسواق الشرق الأوسط، مع السعودية وهي أكبر حليف عربي للولايات المتحدة، وقلت ان هذه الوثيقة تضع المشروع الصهيوأمريكي في منطقة الشرق الأوسط في منعطف ربما سيفضي الى حدث كبير، اذا ما كانت مسارات هذه الشراكة خارج ارادة أصحاب المشروع الشرق أوسطي القائم على فكرة الاندماج الجهوي بين دول المنطقة وازالة حدود الدولة التقليدية أمام سلطة رأس المال العالمي التي ستحل محل سلطة الدولة التقليدية بدعوى الحرية والملكية والمسؤولية الغير ملزمة في سياق اقامة نظم ليبرالية حليفة للولايات المتحدة وتسعى للتطبيع مع الكيان الاسرائيلي تحت مظلة العولمة. ما يرجح فكرة ان التواجد الصيني لم يكن الا بارادة أصحاب المشروع وتحت وصايتهم من أجل ربط مصالح الصين بهذه المنطقة وتقليل مساحة الانحياز الصيني نحو روسيا. 

وكنت في نهاية العام 2021، قد كتبت في جريدة الصباح مقالا حمل عنوان "ثمة متغير قادم" أوردت فيه ، ان العراق الذي أعدَّ ليكون منطلقا لمشروع كبير في منطقة الشرق الأوسط، كان ولا يزال محل اهتمام وسعي متواصل لما يشبه أرض العالم الجديد، الذي اكتشفه كولومبس وهاجرت اليه الموجات البشرية من أوربا لتنهي وجود الهنود الحمر على تلك الأرض. والأصل في الفكرة أن العراق سيكون أنموذجا تنطلق منه الليبرالية برداء جديد الى العالم بوصفها فكرا متجددا تحت مظلة العولمة، بما يمهد لشيوع سلطة رأس المال في المنطقة ويحفر على استقطاب الأفواج البشرية، وبما يتماها مع المشروع الصهيوني القائم على الوعد الابراهيمي المزعوم تحت يافطة الماسونية (من الماء الى الماء تترامى أطراف الدولة اليهودية الكبرى) ليكون مفهوم الاندماج الجهوي مع شعار انتصار الحريات الفردية مدعاة لشيوع سلطة رأس المال على المدى البعيد بدعوى نهاية التاريخ السياسي، بعد ما قيل عن افلاس الديموقراطية الاجتماعية بحسب الليبراليين الجدد، وعدم استقرارها بحسب (فرانسيس فوكوياما).

وحيال ذلك نحن الآن ازاء جملة من الدلائل التي تثبت انعطاف التكتيك في الستراتيجية الصهيوأمريكية في العراق باتجاه التهدئة جراء ما أفرزته الحرب في أوكرانا، اذ اضطر أصحاب المشروع ازاء أزمة الطاقة والركود التضخمي، لاتباع سياسة الاحتواء والترويج لبيئة استثمارية جاذبة في المرحلة الحالية، بدلا عن  الدفع باتجاه تصادم القوى السياسية والمجيء بالحلول الجاهزة كما كان مخطط له.

الأمر الذي يقتضي تحرير سعر صرف الدينار أمام العملات الأجنبية ، والوصول الى حالة الاستقرار النقدي عبر التعويم المدار قبل تدفق الرساميل الأجنبية، والزام المؤسسات العراقية باستخدامات الدفع الألكتروني في التبادلات والتداولات المالية (التي بقيت معطلة لسنوات برغم اكتمال بنيتها التحتية) ، فكان قرار الخزانة الأمريكية المتضمن عزل عدد من المصارف عن مزاد الدولار بدعوى عدم امتثالها لمعايير التحويلات الخارجية ، بعد عض الطرف لعقدين عن فوضى التجارة الخارجية.

والهدف هو توظيف ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الدينار العراقي - بوصفه نتيجة طبيعية لهذا القرار- في عملية استخدام التقانات في التبادلات والتعاملات المالية، من خلال الفارق السعري بين سعر الصرف الرسمي المعتمد في التداولات الألكترونية والاعتمادات المستندية في تمويل التجارة الخارجية وبين سعر الصرف في السوق الموازي ، وبالتالي التمهيد تدريجيا لعملية "التعويم المدار: التي يقصد بها تحرير سعر الصرف بضمان تدخل البنك المركزي لضبط الاستقرار السعري " ، ومع تقليل التداول النقدي سينحسر بيع الدولار عبر المزاد اليومي لتحل محله منافذ القطاع المالي، بما يساهم في وجود بيئة تداولية الكترونية للرساميل القادمة.

وفي اجراء غير مسبوق، غض صندوق النقد الدولي الطرف عن التوسع بالانفاق في الموازنة العامة وزيادة أعداد الموظفين في الدولة، بجانب زيادة الدعم للطبقات الهشة عبر شبكة الرعاية الاجتماعية والبطاقة التموينية، تمهيدا لاحتواء ردات الفعل في المرحلة المقبلة، فيما تولت ماكنة الاعلام مهمة التبشير ببيئة استثمارية آمنة عبر الدعم الاعلامي الغير مسبوق الذي صاحب بطولة خليجي 25.

من هذا المنطلق، على العراقيين أن يعوا طبيعة المعطيات ويوظفوا الايجابي منها لصالح البلاد والعباد قدر المستطاع في سياق ستراتيجية ومنهج يضع المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار، مقرونة بشرط الارتقاء بالوعي لدى النخب على أقل تقدير (خصوصا ما يتعلق بالشروط السابقة التي فرضتها الجهات الدائنة) بهدف بلورة خطاب وخطط ترتقي الى مستوى الشعور بخطورة المتغير القادم، الذي يؤسس لحق الرساميل الأجنبية في ادارة شؤون الحياة بما فيها حق تأسيس ودعم الأحزاب وبالتالي حق صناعة القرار ومصادرة الأرض بدعوى حق الملكية والحريات الشخصية وصولا لتحول ديموغرافي على المدى البعيد تحت مظلة العولمة ونظام ليبرالية السوق.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك