سالم مشكور
يبدي بعض السياسيين امتعاضه وقلقه من قرار الحكومة تأسيس شركة هندسية عامة تابعة لهيئة الحشد الشعبي. الامتعاض ناتج من موقف مسبق من الحشد الشعبي أساساً، ودوافع هذا الموقف معروفة. راح البعض يخلط بين هيئة الحشد الشعبي وهي مؤسسة أمنية حكومية، والفصائل المسلحة. بينما راح آخرون يحذرون من هذه الخطوة مبررين ذلك بأنها استنساخ لتجربة الحرس الثوري الإيراني. واجه هؤلاء تساؤلات استغرابية مثل "ما الضير من استنساخ تجارب ناجحة في دول أخرى؟"، و"هل أن الحرس الثوري يخدم بلاده وشعبه أم لا؟".
شواهد واضحة على دور الحرس الإيراني في إعمار ايران كما في حفظ أمنها، فما الضرر لو لعب الحشد الشعبي في العراق ما فعله الحرس الثوري في بلاده؟.
واضح أن الحساسية هي سياسية قبل كل شيء، إلى جانب التأثر بمواقف سياسية خارجية واعتماد تقييمات ومواقف مرتبطة بمصالح الآخرين.
تجارب استثمار الجهد الهندسي للمؤسسات الأمنية في عملية الاعمار ليست ابتكاراً إيرانيا، إنما تعمل به كل الدول، بدرجات متفاوتة، خصوصا في أوقات الأزمات. فليست الجيوش في حالة حرب دائمة، وطاقاتها العلمية والهندسية التي تتعاظم خلال الحروب لا تبقى معطلة بانتظار حرب أخرى، إنما يجري توجيهها إلى البناء والإعمار. بعض الدول تجعل من هذا الأسلوب وسيلة لتمويل المؤسسات الدفاعية ذاتياً إلى جانب استثمار الطاقات والخبرات المتراكمة في عملية الإعمار. هذا ما يحدث في مصر وتركيا وإيران مثلاً. شركات الجيش المصري هي التي تبني المشاريع العملاقة، من طرق وجسور وشبكات البنى التحتية. حلّ مشكلة الكهرباء في مصر تمَّ بجهود شركات الجيش، وشركة زيمنس كانت توصل المعدات والأجهزة فقط، بينما بناء المحطات تمَّ على يد الجيش. في تركيا يملك الجيش مصانع للسيارات وينفذ مشاريع عملاقة.
ميزة القوات الأمنية أنها تتربى على عقيدة وطنية، فضلا عن الانضباط الذي يحكم عملها، وحماية الأمن لا تتم بالجهد العسكري فقط، إنما بحماية الاقتصاد ودعم الاعمار وتنشيطه، خصوصا إذا كانت الدولة تعاني من البيروقراطية المعيقة للعمل، والفساد الذي يبدد الثروات والجهود دون أي إنجاز، والانفلات الأمني الذي يعطي القدرة لمجموعات مسلحة إعاقة تنفيذ القطاع الخاص لأي مشروع، وبالتالي ضعف الاستثمار بشقيه الخارجي والداخلي.
في ايران توجد مؤسسة باسم "جهاد البناء" مهمتها تنفيذ المشاريع الخدمية، خصوصا في القرى والأرياف. الاسم مأخوذ من فكرة الجهاد وعدم اقتصاره على الجهد الدفاعي العسكري. هنا يستخدمون الوازع الديني في استنهاض الهمم لأجل البناء. الحشد الشعبي تأسس لمواجهة تنظيم داعش الإرهابي، بعقيدة دفاعية يمتزج فيها الديني بالوطني، بما يشكل دافعاً لمئات آلاف الشباب للعمل بتفانٍ وإخلاص، دون سؤال عن امتيازات ومكاسب مادية. هذه الطاقة الدافعة أثمرت في الميدان العسكري نصراً مؤزراً بعُشر الزمن الذي قدّره سياسيون دوليون. وفي زمن السلم، يمكن لهذه القوة العقائدية أن تنجز الكثير، بالدافع والزخم نفسيهما.
هذا الكلام هو من حيث المبدأ، والميدان يثبت صحته، شرط توفر الرقابة الحكومية المشددة لمنع تغلغل الفساد وشلّ هذا المشروع. دعونا نرى انجازات كبيرة تحيي الامل في نفوسنا بدل لعن وعرقلة كل جهد ومشروع.
https://telegram.me/buratha