كوثر العزاوي ||
افتَقَدَتْها أيامًا وشهور وقد زاد على غيابها عام، وفي أحدى الصباحات فتحت جهازها -الموبايل- وَجدَت رسالةَ ودٍّ مصحوبة بعتب مطرَّز بمشاعر المحبة التي لاتحتمل أدنى نسبةً من شك ولاريب ، كيف!! ومابينهما وشائجَ مبدئية أمتدّت جذورها بامتداد محطات العمر وفي كل عَقدٍ منه ألف حكاية وحكاية! قرَأَتْ الرسالة ثم أرخَت جفنَيها بحزن لتنساب الدموع كقطر الندى على خدّيها، تبِعتها تنهيدة حرّى ممزوجة بابتسامة ذابلة، رسَمت خطوط الشوق على شفَتيها وقد سرحَت في خيال عمره سبعة أعوام بساعاته وأيامه وثرثراته واسراره،
وكم تمنّت لو امتلكت جناحا طيرٍ لتحمل بقاياها وهمومها وماأجّجت كلماتها من مكامن الجراح لتكون شاهدة عليها، عساها توفّر عسر الإعتذار وتستبدله بعناقٍ لاتَسمع منه إلّا همس الوفاء الذي ذُبحَ الف مرة على أعتاب الاقدار!! ولمّا عزّ اللقاء كتبت لها تقول:
قد تكون المسافات عائقًا بيني وبينك ولكن..ما نَقَشهُ القلب ونُقِشَ به يومًا، لا تمحوهُ الغربة، ولاتواريه الأيام! أنتِ في القلب، وهذا يكفي لتسامحيني، لذا لا داعي لأن أطمئنك أن دعواتي تشملُك دائمًا وأنني طالما دعوت الله أن يُريَك أثرَ هذه الدعوات في طريقك كي يطمئنَ قلبُك، ولا داعي لأن أذكرك بطبعي الذي تعرفيه عني، أنه وإن ضاقت عليك الدنيا يومًا فلك في القلب متّسَعٌ ومتَّكأ، وأنني هنا دائمًا متى ما شعرت أنك بحاجتي، وأنني صدقًا لا بأس عندي أن أُداويك حتى وإن كان قلبي ينزفُ، طالما أنّ ذلك سيزيل البأس من قلبك، والآن: دعيني أبثكِ وجدي علّك تعذريني أختاه!
يومًا بعد يوم أجد الحياةَ تشتدُ قسوةً وضراوةً وكل يوم دهشة وشهقة، حتى ومِن كثرة الجراحات يكاد ينطفئ مصباح فكري!
وأنّ صفعاتها المتتالية لا تتناسب وطموحاتٍ تراكمت، وأنّ هذا الكمّ من التيهِ والتفكير الذي يعصفُ بنا، وأعيننا التي لم تُغَلّفها السعادة قَدر ما غُلِّفَت بالدموعِ والشقاء، كل هذا وذاك لا يتناسب ومخزون العطاء الذي بذلنا ولايزال يُجزِلُ دون مِنّة ولا أذى! كل هذا شاهد على أن الحياةَ لم تكن يومًا عادلة مع أصحاب الغايات السامية!! لذا ترَيْنِني، أيا رفيقة الدرب..
مُستَهلَكة خائِرة، لم يعد شيئًا يغريني ولا أمرًا يستهويني! كما أعلم أنك أيضًا كذلك، ولكنني لن أبالغ إن قلت: أنني حقًا لا يهمني حزني قدر ما يُشغلني حزن مَن يهمني وأنت منهم ، ولستُ أبالي إن بتُّ أكفكف الأدمعَ من عيني طُوال الليالي، مادمتُ أعلمُ أنهم في الوقتِ ذاتهِ ينعمون بالهدوء ولا يُعكّر صفو لياليهم شيء ولاينقصهم ماينقصني من نِعَمِ خير الرازقين، وأقسمُ صادقة، إن كانت كلماتُ المواساةِ كافية ومشاعر الاعتذار مُوفية، لأفنيتُ بقية عمري أواسيك، ولكن يانور العين أريد منك أن تعلمي أنَّ هذه الحياة ستظل تُلقي في طريقنا المصاعب، وأنَّ مَن هُم مثلَنا لا ينالون مرادهم بيُسر، ولا يَصِلون إلى مبتغاهم إلا بشقِّ النفس وقد لايصلون أبدًا!
أجل..هكذا هي دنيانا وقناعتي التي وصَلتُ! خُلِقنا في كَبدٍ وكَدحٍ حتى نلاقي الغاية الأسمى، خُلِقنا لنقاوم، لنصبر، لنكابد، حتى نُبصِر لنعتَبِر!! وخَلقَنا اللهُ كِرامًا بعضنا لبعض سند، فلانموت إلّا كِراما، فابتسمي ملأَ حزنك واصبري ملأ أساك، والسلام محبة واحترام.
١٨-ربيع الثاني١٤٤٤هج
١٣-١١-٢٠٢٢م
ــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha