المقالات

الضوابط والقوانين القرآنية والتنمية البشرية


الشيخ الدكتور خيرالدين الهادي ||

 

قوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ( الأعراف 13.

دأب القرآن الكريم على الاهتمام بتنظيم حياة الفرد والمجتمع وتوجيه الناس إلى ما ينفعهم سواء على مستوى الأفراد أم الجماعات, وفي هذا الخطاب القرآني تأكيد مولوي باتباع منهج علميٍّ في الأكل والشرب من أجل حفظ التوازن والتنعُّم بالصحة والعافية بوصفهما من موارد التعلق بالإنسان الذي أكرمه الله تعالى فحدد له ضوابط معرفية لارتقائه ووصوله إلى بر الأمان على وفق القوانين التنموية التي تستقيم بها الحياة وتنضبط بذلك العلاقات بين حاجات الفرد الضرورية والكمالية والضارَّة.

ولمَّا كان الطعام والشراب من الحاجات الضرورية لاستقامة الحياة وعدم الوقوع في التهلكة جاءت الأحكام لتنظيمها على وفق المصالح والمنافع؛ لذلك فإن الخطاب القرآني يؤكد في هذا القانون أنَّ مبدأ السلامة التي يبحث عنها الفرد والمجتمع ولاسيَّما في التعامل مع المعدة التي وُصفت بأنها بيت الداء يكون بتحديد الطعام والشراب ولا يصح الاسراف فيهما وقد نُقل عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: ((إنا قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لم نشبع)), وهذا القانون ليس وضعيَّاً لنتوقع صحَّته أو خطؤه؛ بل هو إقرار نبويٌّ يتوافق مع مذهب الخطاب القرآني ليستقيم أمر العباد ومن ثَّم البلاد.

والمعلوم أنَّ المؤمن لا يستطيع أنْ يداوم على طاعة الله تعالى ويتزوَّد منها إلا إذا كان صحيح البدن، سويّ الخلقة، قوي البنية، ولا يتم ذلك عادة بكثرة المأكل المشرب، بل حسْبُ المؤمن لقيمات يقمن ظهره، ولمّا كان الإنسان لا يستطيع ضبط نفسه من شدة الإقبال على الطعام والإفراط فيه بشراهة، شرع الله تعالى برحمة فريضة الصيام شهرًا في كل عام لعباده؛ ليردَّ إلى الجسم توازنه وقواه وسلامته ونشاطه؛ فالمؤمن القوي في عقله وبدنه وكيانه ودينه خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وتمام الضعف هو عدم القدرة على الاستجابة لقوانين الصحة البدنية والنفسية.

 ومن حكمة الله اللطيف الخبير أنْ فرض على المؤمنين فريضة الصيام قبل معركة بدر الكبرى، وهي المعركة الفاصلة بين الكفر والإيمان في شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة؛ ليُعِدَّ الله -عز وجل- من المؤمنين جندًا قويًّا في بدنه، وفي إيمانه، فقد صاموا أكثر من نصف شهر رمضان قبل دخولهم المعركة، فكان الصحابي منهم بعشرة من الكفار، لأنَّ الصيام نقَّى جسدهم من الأمراض، وخلَّص جوفهم من كل داء, فزاد بذلك عزيمته وقوي همته.

إنَّ الالتزام بالضوابط والقوانين القرآنية تسهم في التنمية البشرية بشكلٍ يتناسب مع إرادة السماء ورضى الله تعالى وحاجة الفرد والمجتمع؛ لذلك فإن مراجعة الخطاب القرآني والتأمل في توجيهاته القيِّمة ضرورة يوميّة للنهوض بالواقع المجتمعي على وفق الاسس المعرفية والعلمية التي لا تشوبها النقص ولا تميل بها العوارض إلى الاحتمال أو الخطأ, والسعيد من تهيأت له الفرصة واغتنمها لينال بذلك سلامة الدنيا وسعادة الآخرة

 

ـــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك