د بلال الخليفة ||
في كتاب عام قضيته في العراق للسفير الأمريكي بول بريمر الذي هو من الديمقراطيين، أي الحمائم والذين كانوا على خلاف مع الصقور أي الجمهوريين، وكان على خلاف تام مع الراحل الجلبي، ورغم ان الخلاف يصل الى العداء بينهم، ففي كتابة يصف الدكتور الجلبي هو أحد الستة من العقول الاقتصادية الكبيرة في العالم.
في احد اللقاءات للراحل الجلبي وهو يستشرف الواقع الاقتصادي المستقبلي للعراق ويقول بانه سيعجز عن دفع رواتب الموظفين في حال استمرت السياسة الاقتصادية بالوتيرة الحالية، واسترسل بالقول (انا احذر ، العراق سيصل في السنوات القادمة الى صندوق النقد الدولي وعقد اتفاقية كي يتم تزويد الدولة العراقية بالنقد لإدارة امورها، وبالمقابل سيفرضون شروط منها، إيقاف الحصة التموينية، رفع الدعم عن المحروقات، وكذلك الكهرباء، وتسريح كل الموظفين للشركات الخاسرة وتقليص الجهاز الإداري للدولة، ثم قال انا احذر ان لم يحصل تغيير في إدارة المال العراقي من قبل الدولة فسنصل الى ذلك).
ولإيضاح ما قاله الجلبي نبين الاتي، ان حجم الانفاق العام هو في تزايد كبير مقابل حجم الإيرادات العامة، ومثال على ذلك في عام 2016 كان حجم الانفاق العام هو 67 تريليون دينار وارتفع الى 75 تريليون دينار عام 2017 ومن ثم ارتفع اكثر الى 104 في موازنة عام 2018 ثم الى 133 تريليون دينار عام 2019 واما في موازنة عام 2021 (لان عام 2020 لا توجد موازنة) فان حجم الانفاق العام المثبت في الموازنة كان 129 تريليون دينار عراقي، أي ان الانفاق السنوي يزداد في كل عام مع بقاء الإيرادات ثابته لأنها معتمدة وبسنبة 95 % على الإيرادات النفطية، أي ان الإيرادات ترتفع وتنخفض حسب سعر البرميل النفطي العالمي.
فالإنفاق العام يقسم الى إنفاق على الموازنة الجارية وإنفاق على الموازنة الاستثمارية، وللعلم ان نسبة الموازنة الاستثمارية الى الجارية هو بحدود 30% من حجم الانفاق العام، وللعلم ان أكثر من ثلثي الموازنة الاستثمارية يذهب الى المشاريع النفطية الاستثمارية، طبعا هذا شيء جيد من جهة ومؤشر سلبي من جهة أخرى لأنه لم يتم الاعتناء بالقطاعات الأخرى.
اما المعلومة الخطيرة جدا والتي تمس المواطن العراقي وهي ان 60 % من الموازنة الجارية يكون هو رواتب موظفين ومتقاعدين. وهذا ما لاحظناه في أيام جائة كورونا وعجز الدولة عن دفع رواتب الموظفين ناهيك عن الانفاق في الأمور الأخرى.
فالحكومة الحالية ان لم تتخذ إجراءات حل حقيقية واستراتيجية لانتشال الواقع الاقتصادي المتهالك، فإننا لا محالة ماضين الى ما توقع به الراحل الدكتور احمد الجلبي في الاقتراض من صندوق النقد الدولي ونقبل بشروطه القاسية التي تضر المواطن العراقي.
فإننا هذه الأيام نعيش ببحبوحة انتعاش أسعار سوق النفط التي تجاوزت الحد الحرج الذي يفصل بين الذهاب الى الاقتراض الداخلي او الخارجي وبين ان تكون حجم الإيرادات كافية لسد حجم الانفاق العام.
فلو فرضنا ان الموازنة للعام المقبل ستكون 130 تريليون دينار عراقي فان تم اعتماد سعر جديد للدولار وهو 1350 دينار مقابل الدولار الواحد فان الموازنة ستكون 96 مليار دولار، وان تم إبقاء سعر الصرف الحالي وهو 1480 فستكون حجم الموازنة بالدولار هي 87.8 مليار دولار. للعلم ان حجم النفط التصديري الحالي هو بحدود 3.6 مليون برميل نفط يوميا وبالتالي سيكون سعر برميل النفط الذي يحقق المساواة بين الإيرادات والانفاق العام هو 66 دولار للبرميل الواحد.
فان انخفض سعر البرميل عن ذلك السعر، فالدولة تذهب الى الاقتراض، وان ارتفع فسيحقق فائض في الأموال، وللعلم ان الجميع يتوقع بان يكون سعر برميل النفط لخام الإشارة برنت للسنة المقبلة هو اكثر من 90 دولار وبالتالي من المتوقع ان يكون الفائض المالي للسنة القادمة هو 31 مليار دولار وهو رقم كبير جدا ومن الممكن استغلاله في احداث تغيير كبير في حل الكثير من المشكلات كالكهرباء وتفعيل القطاعات المهملة في السنوات السابقة كالصناعة والزراعة والسياحة، وبالتالي نكون قد رفعنا الإيرادات غير النفطية زكما يجب العمل وبصورة جادة على تقليل الانفاق العام ومن اهم النقاط هو تقليل الترهل الوظيفي والابتعاد عن التوظيف واستبداله بخلق فرص تعيين لا توظيف.
الخلاصة من الممكن الاستعادة باستشاريين وخبراء عالميين في وضع خطة استراتيجية لتعظيم الإيرادات الغير نفطية وتقليل الانفاق العام والى فان العجز قادم لا محالة وان نبوءة الراحل ستتحقق حتما.