رياض سعد
أوجد -( ابو ناجي )- الخبيث الانكليزي والمحتل البريطاني في بلاد الرافدين حكومات هجينة وملعونة وقبيحة المنظر ومشوهة المضمون ؛ وسلبية في تصرفاتها وأفعالها وسياساتها وشعاراتها وخططها ومخططاتها ومؤامراتها وشخصياتها ... بل اصبحت بؤرة الشر و والاجرام والارهاب والبيروقراطية والدكتاتورية وانتهاك حقوق الانسان في العالم العربي والاسلامي بل وعلى صعيد دول العالم لاسيما في العهد العارفي الاول و البعثي التكريتي الصدامي ، اذ لجأت تلك الانظمة العميلة والدخيلة القذرة لتسخير امكانيات الدولة وثروات العراق الوطنية الهائلة لإلحاق افدح الاضرار والشرور بالأمة العراقية والعراقيين ولاسيما الاغلبية العراقية الاصيلة وبعض مكونات الامة العراقية الاخرى ؛ وذلك من خلال ممارسة سياسة الحرمان والتجويع و الالهاء وتغييب وعي الجماهير وتسطيح العقل العراقي الجمعي والتجهيل وخلق الازمات المستمرة والحروب المتواصلة والتضييق على الحريات الشخصية واسكات الاصوات المعارضة وانشاء السجون الرهيبة والمعتقلات السرية المرعبة والتي تستخدم فيها احدث وابشع وسائل التعذيب وطرق العذاب ... الخ ؛ معتقدين أنهم بهذا السلوك الجبان والاجراءات الارهابية والتصرفات الرعناء سيرفعون من مكانتهم كعملاء في نظر اسيادهم الاجانب – من اجل البقاء في الحكم طويلا - ويحكمون سيطرتهم على ابناء الامة العراقية ويرتفع شأنهم وصيتهم في الداخل والخارج – من خلال بث الرعب في النفوس وبحجة مكافحة الرجعية والطائفية والامبريالية والصهيونية ... (ومن هل الخرط الكاذب) - ؛ ولكنهم ازدادوا انحطاطًا وسقوطا وانهزاما وتقهقرا وعارا وشنارا, بعد ان تلطخت ايديهم بدماء الملايين من العراقيين , و تأجيج المزيد من الصراعات الإقليمية والعربية ؛ وعلى الرغم من مسرحياتهم السياسية وادعاءاتهم الوطنية عرف القاصي والداني بانهم عبارة عن دمى بأيدي الدول الكبرى والمخابرات الدولية يتم تحريكها كيفما أرادوا لتحقيق أهدافهم وأجندتهم في العراق و منطقة الشرق الاوسط ؛ فقد صرف هؤلاء الاوباش مليارات الدولارات على حروب النيابة والوكالة بالإضافة الى التبرع بثروات العراق للدول الاجنبية والعربية تحت ذرائع مختلفة .
تبرعوا للعديد من الدول وعقدوا مئات الصفقات الفاسدة والوهمية مع بعض الدول والمافيات وصرفوا المليارات من اجل التدخل في هذا البلد او ذاك او الوقوف مع هذه الجهة ضد تلك ؛ اذ وقفوا مع الهند الهندوسية والسيخية ضد باكستان الاسلامية وكذلك فعلوا في لبنان فقد دعموا المليشيات المسيحية ضد المسلمين ولم يشجبوا الجرائم الصربية في البوسنة المسلمة واغتالوا العديد من الشخصيات الفلسطينية المقاومة للصهاينة , ومع ذلك يدعون الشرف العربي والانتماء الاسلامي !! ... بينما كانت الامة العراقية تعاني الامرين , والشعب الجائع المسكين كان أولى بهذه الاموال وأحق بها من الاجانب والغرباء ؛ وكان المفروض بهذه الطغمة الفاسدة ان تعالج المشاكل المستعصية والازمات المستمرة والتدهور الاقتصادي والمعيشي لمحافظات ومدن وقرى الجنوب والوسط العراقي بل والشمالية , حيث تعاني من التهميش المتعمد والافقار والاقصاء وغياب العدالة في توزيع الثروات الوطنية بين المحافظات ؛ فهذه الاموال الطائلة التي تذهب للأجانب والغرباء كان العراقيون والجنوبيون الاصلاء هم الأحق بها في دعم اقتصاداتهم الهشة وبناهم التحتية المنهكة وخدماتهم المتردية ومعيشتهم الصعبة ومدنهم الخربة بدلًا من صرفها على مراهقات التكارتة والبعثيين وصدام السياسية التي لا طائل منها سوى أن يقولوا للعالم وقتذاك اننا موجودون (شوفونا وبالخدمة ) .
في الوقت الذي كان يتبجح به صدام بالعلمانية وشعارات الوحدة والحرية والاشتراكية ومن ثم الحملة الايمانية ويتغنى بالأمجاد والمكارم العربية والقيم السامية – كما يدعي – كانت السجون البعثية مليئة بالأجساد البشرية المنهكة والمعتقلات السرية التكريتية مكتظة بالعراقيين الاحرار والاصلاء المعذبين , وقاعات الاعدام تتكدس بها الجثث وكأنك في مسلخ بشري رهيب ؛ واغلب تهم الضحايا كانت تتعلق بالصلاة والصوم والالتزام الديني وفق المذهب الجعفري او بسبب اعداد الولائم والطعام بمناسبة عاشوراء او اقتناء بعض الكتب الدينية العتيقة – شكلا ومضمونا - ... ومن ثم يعدموا بتهمة حزب الدعوة !! .
وكانت الاوامر الحكومية الصدامية الصارمة تطلب من الاجهزة الامنية الارهابية و الدوائر القمعية الدموية تحويل الانسان العراقي والمعتقل السجين الى مسخ - و ذلك من خلال اجراءات مستمرة تعتمد على احدث نظريات التعذيب وعمليات العذاب المتواصلة – .
و طالما اجتمعت مافيات الفئة الهجينة وعصابات البعث التكريتي وعقدت جلسات سرية تناقش فيها كيفية تدمير مدن وقرى الجنوب والوسط والشمال وانهاك ابناءها ... , وعقدوا اجتماعات لأجل التخطيط لهلاك المواطنين المعارضين وإيقاع الويل والعذاب بالخصوم العراقيين - وما اكثرهم - والتنكيل بهم ، بل ومطاردتهم خارج الحدود ؛ ولعل التسريبات الصوتية والمرئية المسربة ولاسيما في جلسة الاوغاد المجرمين والتكارتة القتلة الارهابيين في الناصرية عام 1991 عندما ترأس الجلسة المجرم المنكوس حمزة الزبيدي ونقل لهم اوامر صدام بالقضاء المبرم على كل سكان عشيرة ال جويبر – بما فيهم النساء والاطفال والشيوخ والعجزة – ؛ وكان اوباش تكريت يضحكون بملء الفم وصرح احدهم قائلا : ((هذا اليوم ال كنا ننتظره ... هذا عيد ... دمهم مهدور لمدة عشرين سنة)) ... .
وكان النظام يرسل اعضاء الاجهزة الامنية واراذل تكريت وشذاذ المناطق الهجينة الى الخارج للاستفادة من خبرات اجهزة القمع والمخابرات الدولية المشبوهة بالإضافة الى مجيء خبراء التعذيب الاوربيين والاسيويين ... كي يقوم رجال النظام فيما بعد بمُحاكاة الاجانب فيما يرتكبون من جرائم , وبممارسة السادية بالتعذيب والتفنن في أساليب القتل على الطرق الغربية والعلمية!!
كإذابة المعتقل العراقي في احواض الاحماض ( التيزاب ) او تقطيع اوصال المواطن بالمناشير , او تجربة المحاليل الكيماوية والادوية الخطرة على السجناء او اجراء التجارب القاسية عليهم , ناهيك عن الاتجار بأعضاءهم من خلال خلعها واخذها من اجساد الضحايا ؛ و طرق الاستجواب البشعة وتجارب التعذيب، وتجارب اخرى تتضمن مواد مسببة للهلوسة، و العديد من هذه الاختبارات أجريت على الأطفال والمراهقين والشباب الصغار والشيوخ الكبار والنساء .
اذ تواترت شهادات عديدة من المعتقلين المفرج عنهم , بالإضافة الى بعض رجال الامن الصدامي في مجالسهم الخاصة المسربة ؛ بمجيء خبراء المان من المانيا الشرقية وبعض دول اوربا الشرقية والدول الاسيوية واللاتينية ؛ مختصون بممارسة طرق التحقيق والتعذيب والقتل والموت بكل اشكاله والوانه ... وكانت هذه الدورات مستمرة وعلى الصعيدين النظري والتطبيقي ؛ اذ يأتي الجلاوزة بمجموعة من الضحايا العراقيين والمعتقلين المظلومين ومن مختلف الاعمار ؛ كي يقوم خبير التعذيب الاجنبي بممارسة احدث طرق العذاب بحقهم وامام الضباط ومنتسبي الاجهزة الامنية الصدامية ؛ كإجراء روتيني للأجهزة الامنية القمعية وتوثق تلك العمليات البشعة عن طريق التصوير والتسجيل المرئي ... وفي احدى المرات قام المجرم فاضل البراك بثقب رأس احد المعتقلين – بالدريل - وامام بعض الضباط والمعتقلين كدرس في معاملة العراقيين ... ؛ واجروا ابشع اختبارات التعذيب بحق المعتقلين كالوخز بالابر الكثيرة في مختلف انحاء الجسد , او تسليط الاضواء العالية على عيون المعتقلين وحرمانهم من النوم لمدة 5 ايام , او بتر اعضاء الجسد ومن دون تخدير واستمرار النزف حتى الموت , او اجراء بعض الاختبارات الطبية عليهم من اجل اصابتهم بالهلوسات والجنون .... او تعرض السجناء إلى الأسلحة الكيميائية والبيولوجية (بما في ذلك عدوى البشر بالأمراض القاتلة والمُنهكة)، والتجارب الإشعاعية على البشر، وحقنهم بكيماويات سامة ومشعة، وتجارب جراحية كقلع العيون واخذ الكلى للاستفادة منها في علاج عوائل ورجال الطغمة الصدامية ؛ تصور ان احدى النساء المسنات التكريتات المقربات من صدام ارادت اجراء عملية للعيون فتم قلع عيون ست سجناء لأجلها ..!! ؛ ومما يروى عن المجرم صدام انه قد اقترح على معمر القذافي في احدى اللقاءات اقتراحا امنيا لتثبيت سلطته كما يرى صدام ؛ قائلا له : (( اعتقل ثلاثة الاف من مختلف طبقات الشعب وعرضهم لأبشع صنوف التعذيب ولا تفرج عنهم الا بعد ان ينسى هؤلاء اسمائهم من هول التعذيب ... كي يعيش الشعب حالة من الخوف والرعب من السلطة ... !! )) ... , وسأنتقل معكم الى تجربة السجين نجم عبد الودود الجزائري البصري في معتقل الشعبة الخامسة سيئ الصيت , والذي نسى اسمه من شدة التعذيب , اذ قال : (( ... لم اعد اشعر بأطرافي، ولا اشعر بالجوع او العطش، كنت اشعر بالحاجة الى مفارقة الحياة، لم أكن كبيراً كفاية، كنت في الحادية والعشرين من عمري، صغير على رؤية الدماء، ولكني كبرت عشرين سنة، وفي احدى المفارقات، سألني السجان عن اسمي، واجبته أني لا اعلم ولكن ابي اسمه فلان! وظن أنى اضحك عليه واستمر بضربي وتكرار نفس السؤال، ولم اعد قادراً على الإجابة فقد نسيت اسم ابي ايضاً، وحضر رئيس السجانين ليقول له انه عن جد نسي اسمه اتركه، واخذوا يضحكون ضحكاً عالياً ويتدحرجون في الأرض لأني نسيت اسمي واسم ابي ... )) .
نعم فقد كان سفلة البعث وانذال تكريت يمارسوا نشوزهم عن الفطرة الانسانية من خلال تعذيب المواطنين باستخدام الاسلحة الحادة والمناشير والات الصعق الكهربائي والحرق والات العذاب الحديثة الاجنبية , اذ يوميا يعذب المعتقل ويقتل الضحية شر قتلة ... وهكذا يعيشوا يومهم ثم ينصرفوا ويعودوا لممارسة حياتهم بشكل روتيني طبيعي ... .
كلنا نعرف ان للقتل اسباب واضحة كالشجار والخصومة بين شخصين او الطمع بثروة الضحية او اهانة الشخص القاتل ... وهكذا , ففي مجتمعات الفوضى والامراض والعقد النفسية غالباً ما يكونُ دافع القتل هو الحقد والغضب والغل ؛ وهي أسباب كافية لتُذهِب العقل وتُوجِّه العقل الإنساني لانتزاع روح مخلوق آخر...؛ الا ان هنالك قتلة مصابون ب اضطرابٌ ذهنيّ أو نفسيّ يتخطى الغضب والكره، يقفز بصاحبه فوق الإطار المعروف الذي يحيط بجميع جرائم القتل كما ذكرنا ؛ شيءٌ ما يُلوث الفطرة من أعماقها لينتج تلك المسوخ الدموية التي تشتهي رؤية الألم وتتلذذ بالمعاناة ؛ و غالبا ما تكون شخصية في ظاهرها طبيعية ، مثلنا جميعا يذهب إلى عمله وينطلق في الطرقات ، هو متعلم وربما مثقف , لا يشكو من شيء البتة ، هكذا نظن ! .(1)
حتى قادة الجيش من مجرمي تكريت مارسوا هوايتهم في قتل اطفال محافظة ميسان والجنوب الابرياء عام 1991 بحجة انهم من عوائل ( غوغائية ) واستمر هذا النهج الاجرامي المنكوس في معتقلات الفئة الهجينة والطغمة التكريتية ؛ وسأروي لكم قصة حقيقية تبين لكم بشاعة وحقارة هؤلاء الاعداء ؛ فقد جاء المراهق الصبي محمد صدام مطلك الكعبي – البالغ من العمر 13 عام – من ميسان بمعية اهله الى اقرباءهم في مدينة الثورة عام 1981 , وكان هذا الصبي لا يفقه شيئا من الحياة سوى اللعب لاسيما لعبة كرة القدم , وبعد ممارسة لعبة كرة القدم مع بقية الصبية , ذهب الى حسينية في القطاع للاغتسال والدخول الى الحمام ؛ واذ بالوحوش الصدامية والضباع البعثية تنقض عليه من دون سابق انذار ؛و اصطادوه كما الارنب الابيض البريء ووثَّقوه بطريقة قاسية ، وعصبوا عينيه الصغيرتين ومارسوا عليه هوايتهم المفضلة - التعذيب - وهو يئنُّ ألمًا، و هم يقهقهون طربا ؛ ولي ان أتساءل : أين المتعة واللذة في ذلك ؟!
مارسوا عملهم التقدمي الاشتراكي في تعذيب مراهق بريء ، لا ذنب له سوى أن حظه العاثر ساقه لأن يقع بين أيدي ازلام النظام و اوباش تكريت وسفلة البعث وهو ذاهب الى الحسينية للدخول الى الحمام لا لشيء اخر لأنه اصلا لا يصلي .... قبضوا عليه من خلال بحثهم عن الصيد اليومي – اصطياد ابناء الاغلبية العراقية الاصيلة - !
متعتهم المفضلة وهوايتهم الوحيدة وفرحتهم التي لا تكتمل إلا بتعذيب المراهق الصغير و هو مُقيَّد بين أيديهم ويصرخ كأقرانه من الاطفال ... غيب الطفل العماري حمودي والى الابد , حيث التحق بقوافل الشهداء الجنوبيين والاحرار العراقيين , ولم يعثر له على جثة حتى بعد سقوط النظام ؛ واستمر مسلسلهم الارهابي بعد عام 2003 فقد تم توثيق جريمة بشعة وفي غاية الاجرام ؛ اذ قامت مجموعة من مجرمي وذباحة الفئة الهجينة في منطقة ( سلمان باك ) بخطف اكثر من 16 طفل شيعي وهم يبكون واحرقوهم بمادة ( البنزين ) بل وصل الامر بهم الى شوي بعض الاطفال في الافران و وضعهم في ( صواني ) الطعام واجبار المخطوفين من العراقيين على اكل لحومهم , والعجيب في امر هذه الفئة الدجالة الماكرة انها كانت توثق وتصور تلك العمليات الارهابية البشعة و تذهب بهذه الصور والفيديوهات الى السعودية وبعض الدول العربية والاسلامية وتتدعي ان ابناء الاغلبية العراقية هم من قاموا بقتل اطفالهم بهذه الصورة الرهيبة وتذرف دموع التماسيح كي تستجدي الدعم المادي لارتكاب المزيد من العمليات الانتحارية والارهابية بحق اطفال ونساء وشيوخ الاغلبية العراقية الاصيلة .
و في مشهد مؤلم ولا يحتمل ، يقوم احد ضباط الامن العامة بتعذيب طفل وضربه بقسوة وتعريضه للكهرباء بغية إجبار ذويه على الاعتراف ... وعلى اثرها مات الطفل من التعذيب وماتت امه جراء الصدمة وفقد الاب عقله .
وروى احدهم انه ذهب برفقة صديقه – لآجل التوسط في قضية ما - مع بعض ضباط الامن الى شقة في احدى العمارات ببغداد , وكانت الشفة عبارة عن وكر لهؤلاء الاوباش يشربون فيها الخمر ويمارسون السفاح واللواط احيانا ويلعبون القمار ؛ وحين ارادوا تشغيل جهاز ( الفيديو) طلب احدهم مشاهدة فلم رعب و كان هذا الشخص كهلا (لعله في الخمسينيات من عمره)، و كان متين البنية وأميل إلى الضخامة وتنم سحنته على تجهم داخلي وصلافة , و بعد أن خرجنا أخبرني رفيقي أن الرجل يشتغل في الشعبة الخامسة ، وله ولع بمشاهدة الأفلام التي تحوي مشاهد عنف وتعذيب ، بهدف إمكانية الاستفادة منها في عمله ...!!
ما الذي يدفع شخصا مثل هذا إلى امتهان وظيفة الجلاد - ( نعم قد تكون للرجل ظروفه التي تحول بينه وبين الامتناع عن قبول هذه المهنة التي أسندت إليه )، ولكن ما الذي يدفعه إلى التفاني فيها ومحاولة تطوير مهاراته وإتقان فنونها الجهنمية ؟!
أثبتت عدة دراسات أن نسبة بسيطة جدا من الذين امتهنوا وظيفة الجلاد، أو وضعوا في ظروف حولتهم إلى جلادين، وحتى قتلة، كانوا ممن لديهم ميول سادية قبل انخراطهم في سياق هذه المهنة، وأن الغالبية العظمى هم بشر أسوياء ويتم تحولهم، أو تحويلهم، إلى جلادين بناء على تحولات، أو تحويلات، في نظرتهم إلى البشر المختلفين عنهم في مواقفهم وأفكارهم.
يبدو أن هذا الشخص كان من هذه النسبة السادية البسيطة لكن، ما الذي يدفع إنسانا ما إلى تعذيب إنسان آخر وحتى قتله؟!
طالما سألت نفسي ومنذ الصغر ؛ لماذا يستمتع مجرمو الفئة الهجينة وجلادو تكريت والبعث بتعذيب العراقيين الاحرار والمساكين ( المكاريد ) والاطفال والشباب الابرياء ؟!
وللأديب ميلان كونديرا في روايته «كائن لا تُحتمل خفته» مقولة تكشف لنا معدن هؤلاء الاوباش وتجيب عن التساؤل الذي ارق جفوننا ؛ اذ قال : ((الطيبة الحقيقية للإنسان لا يمكن أن تظهر في كل نقائها وحريتها إلا حيال هؤلاء الذين لا يمثلون أي قوة . فالامتحان الأخلاقي للإنسانية - (الامتحان الأكثر جذرية والذي يقع في مستوى أكثر عمقًا بحيث إنه يخفى عن أبصارنا) - هو في تلك العلاقات التي تقيمها مع من هم تحت رحمتها، أي الحيوانات , وهنا تحديدًا يكمن الإخفاق الجوهري للإنسان، الإخفاق الذي تنتج عنه كل الإخفاقات الأخرى.)) الكاتب يكشف حقيقة المرء من خلال تصرفه مع من هم دونه كالحيوانات , فما بالك بالنساء والاطفال والشيوخ والمراهقين والضعفاء والمساكين ؟!
وقد حفل التراث العراقي والارث الاسلامي العراقي بمئات المقولات التي توصي بالرحمة ولاسيما رحمة الضعفاء ؛ ومنها : ((ليس منا من لا يرحم صغيرنا ولم يوقر كبيرنا )) , ((ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء )) , ((أوصيكم بالضعيفين النساء وما ملكت أيمانكم )) , ((وهل تُرزَقُون وتُنصَرون إلا بضُعفائِكم )) , ((اذا دعتك قدرتك على ظلم الناس فتذكر قدرة الله عليك )) ... الخ
والكل يعرف ان الرحمة والغيرة والكرم والطيبة والنخوة والايثار والالتزام بالروايات والارث الديني الاخلاقي ... ؛ هي عنوان للعراقيين الاصلاء ؛ اذ حثت عليها جميع الأديان العراقية ، ونادى بها العراقيون الاصلاء ، فهي أساس الحضارة العراقية ، ووسيلة للمعاملة بين الناس في العراق , وقد تغنى بها الشعراء في قصائدهم ... ؛ الا ان ابناء الفئة الهجينة يختلفون عنا بمنازعهم وأفكارهم وأهوائهم ومشاربهم واخلاقهم بل وحتى في اشكالهم وسحناتهم ... لانهم اجانب وغرباء ومن اصول اوربية واسيوية وبعضهم او اغلبهم كانوا لا يعتنقون الاسلام وجيء بهم كمرتزقة وسبايا وغلمان نكاح وقتال حتى شاع القول فيهم : (( في الليل عرائس وفي الصبح فوارس )) ؛ جاء بهم العثمانيون ثم جاء الانكليز بمجموعة من شذاذ الافاق الغرباء ايضا عندما ارادوا تشكيل الدولة العراقية ؛ لتكتمل الطبخة ويزداد الطين بلة , فأسفرت عن نشوء انظمة هجينة حاقدة تعتبر من أسوا واغرب الانظمة في العالم ولاسيما النظام البعثي التكريتي المدعوم من قبل الدول الكبرى والمخابرات الدولية .
فأغلب ابناء الفئة الهجينة نشأ - هو واسلافه - في بيئة قاسية جدا , وساهمت عدة عوامل في تشكيل صفاتهم ؛ مثل القسوة وعدم التعاطف مع الاخرين والانانية والنرجسية والتحلل الاخلاقي والاباحية وانعدام الضبط الاخلاقي والاجتماعي وارتفاع مستويات التوتر والقلق والتوجس والشك لديهم ... وعليه لا نستغرب من كثرة شتم المجرم احمد حسن بكر لله وسبه للمقدسات او عندما يقول المأبون دوحي ابن صبحة بحق احدى العاهرات بانها ( تسوه شارب النبي محمد ) او عندما يتفوه رجالهم بالفحش والالفاظ السوقية النابية ...!!
فهؤلاء الاوغاد المرضى عندما يمارسون التعذيب ويستمتعون بعذاب العراقيين ؛ يشعرون بالقوة والاهمية ؛ ما يؤكد أن هؤلاء الأشخاص يُعانون من مشاكل نفسية حادة لن تختفي إلا بتدخل طبِّي، وإلا أصبحوا خطرًا على المجتمع ؛ لذا يجب استئصالهم بكافة الوسائل القانونية المتاحة ؛ وعلى الرغم من زوال حكم الانظمة القمعية عام 2003 شارك اغلبهم في العمليات الارهابية بمعية امثالهم من الاجانب والغرباء واصبحوا يفتخرون بقطع رؤوس العراقيين العزل .
فقد دعت الفئة الهجينة بعد عام 2003 اشقائها الاجانب والغرباء من اكثر من 83 دولة في العالم الى العراق لممارسة القتل والتعذيب ؛ حتى اصبحت أرض بلاد الرافدين مكتظة بالدخلاء الارهابيين والغرباء السفاحين وقد أفسدوا الحياة وخربوا البلاد واهلكوا العباد ونهبوا الخيرات ... الى ان هب رجال الاغلبية العراقية الاصيلة بوجه زمر الارهاب والاحتلال الاجنبي الغاشم وتم تحرير اراضي بلاد النهرين .
أظن أن الضمير الإنساني والمشاعر الإنسانية لا تسمح لأي فرد بإتيان مثل هذه الأفعال المؤذية والمهلكة ضد أي فرد من نوعه، أي من النوع الإنساني , فضلا عن ابناء وطنه , بل لا بد من اللجوء إلى حيل وقناعات نفسية تجعله يقوم بهذه الأفعال الشريرة ضد إنسان مثله ومواطن نفسه , وتتمثل هذه القناعات في "نزع الصبغة الإنسانية والوطنية " عن هذا "الكائن , الضحية , المعتقل , المحكوم , المواطن الاخر " بحيث يشعر أنه لا يقوم بتعذيب أو قتل إنسان صنوه في الإنسانية والوطنية وإنما ضد "كيان" آخر ليس له من الإنسانية او الوطنية سوى الهيئة إنه "شيطان"، أو حيوان او غريب او أي مسمى شبيه ، يتخذ صورة إنسان ، أو مسخُ إنسان ؛ لذلك يعمد المجرم الهجين والحاكم المنكوس الى تعريض المواطن لأقسى الظروف واشد انواع العذاب لتحويله الى مسخ او بقايا انسان من اجل اثبات نظريته المنكوسة بان هؤلاء يختلفون عنه وعن زبانية الفئة الهجينة بكل شيء ؛ وهم اشبه بالحيوانات او الكائنات البدائية . ... ف "نزع الصبغة الإنسانية والوطنية " هذا يتم بدوافع سياسية أو أيدولوجية او دينية ؛ لذلك كان يطلق على قسم السجناء العراقيين الاصلاء في معتقل الرضوانية بقسم الحيوانات وكان يطلق على الباعة المتجولين ( الدوارة ) من اطفال وشباب الاغلبية العراقية الاصيلة الكلاب السائبة , والى هذه اللحظة يستخدم قواد عدي المنكوس سعد البزاز في فضائيته فضائية العار مصطلحات ( العتاكه ) وغيرها للإساءة للعراقيين الاصلاء ... .
الذين يقفون أمام عدسات التصوير حاملين - من دواعش الفئة الهجينة وايتام صدام وجلادي بقايا العثمنة - ، بزهو، رؤوس العراقيين الذين ذبحوهم وهم يعتقدون أنهم تخلصوا من الهوية العراقية العريقة و المتمثلة فيهم ؛ فهؤلاء القتلة والذباحة و كل من اعتقد معتقدهم ، من مسوخ إنسانية ؛ يمثلون نوع من العودة إلى وضعية بدائية في التاريخ الإنساني كانت تقدم فيها للمعبودات قرابين بشرية، وفي الغالب كانت هذه القرابين لا تنتمي إلى المجموعة البشرية التي تقدمها , وكلكم سمعتم بأن بعض النواصب المجرمين يبشرون اتباعهم بأن من قتل عشرة اشخاص من الشيعة وجبت له الجنة , ورأيتم بأم العين كيف يذبح الدواعش العراقيين وبالجملة كما يفعل الجزار بالغنم في الفيديو الذي انتشر في الشبكة العنكبوتية .
و"نزع الصبغة الإنسانية والوطنية والدينية " والذي يتم بالدوافع الايدلوجية كما مر انفا هذا - (سواء من قبل نظام سياسي وأجهزته الأمنية، أو من قبل حركة مسلحة تعمل على إسقاط هذا النظام)- أو لأسباب دينية ؛ فهو "خائن للأمة، أو الشعب، أو الطبقة" في الحالة الأولى، أو "خارج عن الملة" أو "كافر او مشرك " في الحالة الثانية... الخ .
وفي الحالتين يتم إخراجه من سياق الإنسانية والوطنية والديانة ويصبح تعذيبه والتنكيل به وقتله (وفي الحالات الموغلة في التخلف والتطرف سبي زوجته وأطفاله، وحتى قتلهم) جائزا ومباحا، وفي الحالة الدينية واجبا يثاب عليه!
وهذا يتفق مع المثل الإنكليزي القائل : أطلق على الكلب وصمة، ثم اقتله , أي اقتله تحت مبرر أنه مسعور أو مكلوب ؛ وبهذه الوصمة يصبح قتلهم مباحا، بل ومطلوبا، حيث أنهم فقدوا، بمعارضتهم للأنظمة العميلة الحاقدة الهجينة ، بشريتهم وإنسانيتهم وعراقيتهم و وطنيتهم .
عمدت الأجهزة الأمنية الصدامية والعصابات التكريتية إلى تبنّي منهجية وحشية وعنيفة ومخيفة ومؤثرة في التعامل مع المعتقلين العراقيين داخل سجونها ؛ قوام هذه المنهجية تعتمد على : تدمير الشخص المعتقَل بدنيًا ونفسيًا وذهنيًا، من خلال ممارسات صادمة متراتبة مستمرة غير منتظمة ، في التعذيب والتنكيل والحِرمان والعَزل ، تؤدّي إلى إفقاده الإحساس بالزمان والمكان ، وإنهاكه جسديًا بشكل مستديم، وإفقاده الإحساس بهويّته، وتفكيك آدميته، وخلخلة منظومة عملياته الذهنية واستجاباته العصبية، وإعاقته نفسيًا وسلوكيًا، وإحلال الاضطراب الدائم محلّ كل شيء في حياته ؛ اذ قام النظام الصدامي بتقسيم المعتقلين الى فئتين : فئة تقتل وتصفى جسديا , واخرى تعزل وتفقد القوة والقدرة على التأثير الاجتماعي او التواصل مع المحيط الخارجي ؛ من خلال تحطيم احساس السجين بكيانه وتفكيك علاقاته بالآخرين وتدمير شعوره بالاستقلالية والتلاعب بكافة تفاصيل حياته اليومية وخاصة البيولوجية، ، ثم يُحدث له صدمات نفسية متكررة ومدروسة تصل به إلى قناعة تامة بتمتّع معذّبه بقوة ومناعة فائقتين، وبأن مقاومته غير مجدية على الإطلاق ؛ لذلك شاع بين السجناء وبعض طبقات الامة العراقية بأن النظام لا يسقط وهو مدعوم من الخارج ؛ بل شاع بين السذج والحمقى مقولة ( هذا بخت الحكومة ) عندما يتم كشف محاولة انقلاب او يتم القبض على العراقيين العزل الابرياء من المتدينين والمثقفين ..!!
بحيث يساق العراقيون الاصلاء الى المطامير المظلمة وقاعات الاعدام لمجرّد توهّم أن هذا المصلي او الصائم او الكاتب او المثقف يمثّل خطرًا وجوديًا مُحتَملًا ولو بنسبة صفر بالمية .. !
فالفئة الثانية من السجناء تقتل قتلا بطيئا مقصودا لذاته ؛ ففي هذه الحالة : ليس هدف الجلاد الصدامي والمجرم البعثي هو التخلص من حياة الشخص المعتقل ، وإنما على العكس تمامًا ، يحرص الجلاد على حياة المعتقل بعد كسر إرادته ؛ كي يعيد إرساله إلى المجتمع مرة أخرى، وهو يعاني من آثار نفسية وجسدية مفجعة، تبعث الخوف الشديد في الآخرين، وتورثهم الرغبة في اتّقاء التعرّض لمحنة مشابهة ... .
و هكذا يتمّ الأمر إذًا، وكما جرى مع المعتقلين العراقيين الذين تم الافراج عنهم فيما بعد ؛ حيث يتمّ تدمير هويّة المعتَقل السياسي والبريء وكسر إرادته وسحق كينونته وتدمير بنيته المعرفية والنفسية وإخضاعه لإرادة الجلاد، وتنازله عن أفكاره ومبادئه، وجعله عبرة أمام المجتمع بما يكفي لإيصال رسالة ترويع لأفراده .
فمن كان قويّ الإيمان ثابت الجَنان ، لا تضمن أن يظلّ كذلك , ومن كان قياديًا فذًا، لا يبدو أنه سيخرج من هذه العملية كذلك , ومَن كان عقليةً متفرّدة كُفؤة سيخسر كثيرًا من كفاءته العقلية , ومن كان قويّ البنية سيضعف وينحُل، بل رُبَما يُعوّق ... .
في الوقت ذاته، لا يستفرغ النظام وجلادوه جُهدَهم في الحفاظ على حياة المعتقل، وإنما يتعاملون مع الأمر بطريقة أقرب لطريقة النازية مع الأسرى الروس (يظلّ السجين حيًا طالما ظلّ جسدُه صامدًا منيعًا ضد الأمراض والبرد القارس والجوع والجنون والإرهاق والتعذيب ، وطالما ظل سامعًا مطيعًا ذليلًا)!
ما عدا ذلك، فمن قضى نحبه دون حقنة أو قرص دواء أو تشخيص خاطئ أو إهمال متعمّد او ضربة قاضية ، لا يُعَدّ بالنسبة لهم أكثر من أعراض جانبية للخطّة المنهجية المطوّلة؛ ثم إنّ هؤلاء الذين يموتون إهمالًا يقوّون احتمالية حدوث "كسر الإرادة" بسرعة أكبر.
العقلية العسكرية، وتبعًا لها العقلية الأمنية، لا تعرف في المواجهة سوى "كسر الإرادة" كهدف جوهري لا محيد عنه، وإن لجأت إلى إزهاق الحياة فيكون بمقدار يحقّق القدر اللازم من كسر الإرادة، لذا تتواصل ممارساتها المتنوّعة بهدف دفع الضحية إلى حافة الانهيار، حيث تتجمّد إرادتها تمامًا وتُشَلّ، وتصبح غير صالحة لأي شيء سوى مزيد من المعاناة.
وان مقولة (السجن مصنع البطولة) الشهيرة اصبحت اكذوبة في عهد البعث وصدام ؛ في هذه الجُملة حُمولةٌ من الكذب والتضليل تنوء بها الكلمات؛ فمَن دخَله كمعتقل سياسي، سيُوضَع على "مشرحة " هذه المنهجية الوحشية المُخيفة، التي يندُر أن تصنع بطلًا، وإنما هي في غالب الأحوال تصنع مسخًا مهترئًا كامل التشوّه .(2)
........................................................................................
1- ىالتلذذ بالتعذيب والقتل.. هل يتعلم القاتلون العرب من أفلام هوليوود؟ / دعاء يسري / بتصرف .
2- مقالة سيكولوجيا السجن: ما يحدث في سجون مصر / بتصرف .
https://telegram.me/buratha