د.أمل الأسدي ||
إن الناظر إلی بيئتنا الاجتماعية يشخِّص بوضوحٍ أننا أناس لا ننسی من نحب ونوالي، ومهما تقدم الزمن بنا، وتعاقبت الأجيال يبقی الحب مُتّقدا، عصيا علی النسيان!!
لذا نبكي علی الإمام الحسين (ع) في عاشوراء وكأننا نری لحظة استشهاده حاضرة أمامنا!! ونواسي السيدة زينب(ع) ونخاطبها بلوعةٍ وكأنها حاضرة!!
ونراها تلك السيدة التي فقدت أخاها وبقيت بلا سند ! ومع أنها خرجت نصرةً لإمام زمانها، وصبرها وثباتها كان نابعا من إيمانها الراسخ، فهي ابنة الرسول الأعظم(صلی الله عليه وآله) ومع ذلك ننظر إليها علی أنها السيدة التي فقدت إخوتها وسندها!!
ونری في شخصية العباس(ع) الأخ الذي يساند أخاه ويفديه بنفسه، علی الرغم من أنه صرّح في الطف قائلا:
واللهِ إن قَطعتُمُ يمينــــي
إنّي أُحامِي أَبَداً عن دِيني
وعنْ إمامٍ صَادِقِ اليَقِينِ
نَجْلِ النّبيِّ الطــاهِرِ الأَمينِ
ومع ذلك لا نلتقط من المشهد إلا علاقة الأخ بأخيه!!
وحتی هذه اللحظة حين نمر بمصيبة فقد الأخ نقول بلهجتنا العامية: انكسر ظهري ياخوية!!
أو نقول: فراگك كسر ظهري وهد حيلي!!
نقولها بفطرتنا وتلقائيتنا، وهي في الحقيقة مرتبطة بالإمام الحسين(ع) الذي احتضن أخاه (العباس) حين استشهد قائلا:
"الآن انكسر ظهري، وقلّت حيلتي، وشمت بي عدوي"
وحين نتوجه إلی باب الحوائج،أبي الفضل العباس نناديه: بـ خَـــي زينب!! ونخاطبه بـ امشين عليك زينب يابو فاضل!!
فجذورنا في محبة الأخ قائمة علی مواقف الإمام الحسين والعباس وزينب(صلوات الله عليهم) وحين نريد مواساة من فقد أخاه أو فقدت أخاها نقول: اذكر مصيبة زينب واذكري مصيبة زينب!!
ففقد الأخ مصيبة ووجع لاينتهي، مع ذاكرةٍ رطبة بصوته وكلماته وغيرته ومحبته، مع قصص وحكايات وضحكات متنتشرة بين طيات العمر وأيامه!!
هكذا تربينا في بيئةٍ تنظر إلی الأخ نظرةً متفردة، فتقول عنه في مخيالها الشعبي: الزوج موجود والابن مولود والأخ مفقود!
تربينا في بيئة تفيض عاطفةً ووفاءً، فنذهب في صباح يوم العيد لزيارة الراحلين، وللتعبير عن افتقادنا لهم، ونكرر هذا العمل سنةً بعد سنة، ولانمل ولا نتعب ولانضجر!!
تربينا في بيئةٍ نسمع فيها أمهاتنا يرددن:
ياخوية لا اريد من جدرك غموس
و لا اريد من جيبـــــــك فلوس
ردتك ولي وشيّال نامـــــوس
ونسمع نحيبهن:
يا خوية ..ما ردت منك ثوب لابني
ردتك تجاورني وتبني
وردتك تظل خويل لابني!!
ـ خوية مريت بيك وما لگيتك
غزر حليب أمي واجيتك
طاحت عباتي اباب بيتك
يازرع ابوي الماحويتك!!
ـ واگف علی راسي ونشدني
يگلي احوالچ ما عاجبتني
جاسچ هضم لو فاگدتني؟!!
اللهم، تری لوعة الفاقدين، وتسمع أنينهم، وتعلم أن قلوبهم كأفئدة الطير!! فترفق بهم، واربط علی قلوبهم!!
اللهم، ارحم من مضی عنّا، ولاسيما من رحل شهيدا مظلوما، مضی إلی رضوانك ورحمتك وجنتك، وبقينا نحن من بعده،نعاني وجع الفراق، ونشكو الحرمان من رؤية وجهه، ونتحسر علی وجوده بيننا، ونعيش تفاصيله وكأنه حاضر !! وهو كذلك فعلا وكما قال تعالی:(وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ).
ـــــــــــ
https://telegram.me/buratha