المقالات

السوداني..ثنائية العقيدة والقانون

1486 2022-10-23

حافظ آل بشارة ||

 

من المقولات المعروفة في السياسة أن ادارة الحكومات الحديثة لم تعد تتأثر كثيرا بالأطر الاديولوجية ، بل اصبحت خاضعة للدستور والقانون والانظمة الداخلية ، وادى تراكم المعارف التخصصية والتنفيذ المعياري الى ظهور (المؤسسة) الحديثة وهي (المنظمة) التي تعمل بسياقات التخصص والتجريب ، وبذلك ظهرت دولة المؤسسات ، حتى ظهر تيار فكري حديث يرفض (تسييس الحكومة) ، وفي ظل تقاليد المؤسسة تختفي الكثير من المفاهيم ذات البعد الاخلاقي والعرفي لتحل محلها المفاهيم ذات البعد القانوني والمعياري ، لذلك تأتي حكومات وتذهب حكومات والمؤسسات باقية ، فالمؤسسة اطول عمرا واعمق جذورا من الحكومة ، لكن الحكومة تقدم برامج للمؤسسات وعملها التنفيذي وتتحكم بالاولويات ، وتضع الخطط القصيرة والبعيدة المدى. اما في الدول الناشئة فقد يؤثر الانتماء الحزبي والعقيدي لرئيس الحكومة اكثر في سلوكه التنفيذي بسبب ضعف المؤسسات ، لأن الحزب المشارك في الحكومة عادة له رؤية في كيفية ادارتها ، اما رئيس الوزراء القادم الاستاذ محمد شياع السوداني فان لم يكن منتميا حزبيا فهو منتم اسلاميا ، ووالده من الدعاة الشهداء واسرته دفعت ثمن انتماءها غاليا ، وعندما يكلف بالحكومة فمن المتوقع ان تنعكس على برنامجه وسلوكه اعتبارات عديدة متأثرة بانتماءه الاسلامي منها :

1- تكون له حساسية كبيرة تجاه بقايا النظام السابق الذين هم قتلة ابيه ومحازبيه الدعاة على الاقل ، وما يقال عن محاولاتهم للتغلغل في مؤسسات الدولة او ركوب موجة التظاهرات ، واثارة الفوضى والعمالة للاجانب ، وغير ذلك .

2- يكون لديه موقف شرعي قبل الموقف القانوني تجاه مسألة ترويج وتطبيع المفاهيم والاخلاقيات المحرمة برعاية القوى الاجنبية في المجتمع العراقي ، مثل اضعاف الرجولة ، الشذوذ الجنسي ، الالحاد ، المخدرات وغيرها كادوات للحرب الناعمة.

3- سوف يشعر بالحاجة الى تأكيد الهوية الاسلامية للمجتمع العراقي عبر ايجاد وتقوية برامج ملتزمة لمؤسسات الثقافة والاعلام ، والشراكة مع المرجعيات في الطائفتين ، والاهتمام بالاعتدال والاندماج والاستقرار المجتمعي.

4- علاقته مع القوى الاسلامية ليست علاقة سياسية ، بل علاقة عقائدية وشراكة في الثقافة والموقف والرؤية وتفسير قضية الحكم والحاكمية وتكييفها العملي مع النهج الديمقراطي الانتخابي.

5- ربما يكون للاحكام الشرعية في ذهنه مساحة مهمة كمساحة القوانين ، خاصة وان الشريعة فاعلة في حياة اغلب الدول الاسلامية حكومات وشعوبا ، واغلب حكومات الغرب رغم علمانيتها تحتفظ بانتماءها الكاثوليكي والارذودوكسي او البروتستانتي وحتى الصهيوني فيظهر اثر انتماءها المذهبي واضحا في البرلمانات والحكومات رغم نكرانها لذلك.

6- ربما تتأثر عملية ادارته لعلاقات العراق الاقليمية بانتماءه الاسلامي فيكون قريبا من النبض الايراني الشيعي ، محاولا الابتعاد عن الوهابية واذرعها وعواصمها ، وفي ذاكرته فتاوى التكفير وآلاف الانتحاريين والمفخخات التي التهمت بغداد لسنوات عديدة ، وتحتضن داعش حاليا ولا يتوقف تمويلها له.

هذه التأثيرات ستكون بالنسبة لرئيس الوزراء التزاما شخصيا قبل ان تكون التزاما وطنيا .

لكن رب سائل يسأل هل انعكست هذه الاعتبارات على ثقافة وسلوك رؤساء الحكومات العراقية السابقة وكلهم شيعة وكلهم ذاقوا من نظام صدام الاعدام والسجن والتهجير والتغييب هم وأسرهم ؟ والجواب ان مستوى الالتزام الشخصي والرسمي لديهم في هذه الاعتبارات كان متفاوتا لكنه موجود ، بشكل عام كانوا ميالين الى انتماءهم بدرجات مختلفة ، لكن لماذا التركيز على السوداني ومحاولة اعادة قياس مواقفه كرئيس وزراء شيعي اسلامي ؟ الجواب على ذلك ان السوداني اول رئيس وزراء شيعي يتم انتخابه من الاسلاميين (غير المهاجرين) ، وهذا يمنحه ميزة افضل لدى من يعترضون على تكليف المهاجرين ، لذا قد يكون السوداني اكثر رمزية بقضية عذابات الشعب العراقي المعروفة التفاصيل ، اذن المسؤولية تقتضي ان يتبنى ساسة الاسلاميين الشيعة دعم حكومة السوداني لانهم الكتلة الاكبر ، وانه شيعي اسلامي فهم شركاء وطن ومذهب ومشروع ، اضافة الى انهم واجهة المكون الاكبر  المسؤول اكثر من غيره عن وحدة البلد ارضا وشعبا ، ومسؤول عن انجاح الحكومة ومشروعها ، ومشتركون في الفشل والنجاح . خاصة وان بقية المكونات من كرد وسنة وغيرهم يتضامنون عادة مع السلطة التي تخصهم سواء كانت رئاسة الجمهورية او رئاسة البرلمان ، لكن من يقول انه اسلامي فليكن تضامنه مع الحكومة منحصرا في حالات الانجاز والنجاح والتفوق ، وليس في مزيد من الفشل والفساد لاسمح الله.

 

ـــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك