المقالات

السوداني..ثنائية العقيدة والقانون

1299 2022-10-23

حافظ آل بشارة ||

 

من المقولات المعروفة في السياسة أن ادارة الحكومات الحديثة لم تعد تتأثر كثيرا بالأطر الاديولوجية ، بل اصبحت خاضعة للدستور والقانون والانظمة الداخلية ، وادى تراكم المعارف التخصصية والتنفيذ المعياري الى ظهور (المؤسسة) الحديثة وهي (المنظمة) التي تعمل بسياقات التخصص والتجريب ، وبذلك ظهرت دولة المؤسسات ، حتى ظهر تيار فكري حديث يرفض (تسييس الحكومة) ، وفي ظل تقاليد المؤسسة تختفي الكثير من المفاهيم ذات البعد الاخلاقي والعرفي لتحل محلها المفاهيم ذات البعد القانوني والمعياري ، لذلك تأتي حكومات وتذهب حكومات والمؤسسات باقية ، فالمؤسسة اطول عمرا واعمق جذورا من الحكومة ، لكن الحكومة تقدم برامج للمؤسسات وعملها التنفيذي وتتحكم بالاولويات ، وتضع الخطط القصيرة والبعيدة المدى. اما في الدول الناشئة فقد يؤثر الانتماء الحزبي والعقيدي لرئيس الحكومة اكثر في سلوكه التنفيذي بسبب ضعف المؤسسات ، لأن الحزب المشارك في الحكومة عادة له رؤية في كيفية ادارتها ، اما رئيس الوزراء القادم الاستاذ محمد شياع السوداني فان لم يكن منتميا حزبيا فهو منتم اسلاميا ، ووالده من الدعاة الشهداء واسرته دفعت ثمن انتماءها غاليا ، وعندما يكلف بالحكومة فمن المتوقع ان تنعكس على برنامجه وسلوكه اعتبارات عديدة متأثرة بانتماءه الاسلامي منها :

1- تكون له حساسية كبيرة تجاه بقايا النظام السابق الذين هم قتلة ابيه ومحازبيه الدعاة على الاقل ، وما يقال عن محاولاتهم للتغلغل في مؤسسات الدولة او ركوب موجة التظاهرات ، واثارة الفوضى والعمالة للاجانب ، وغير ذلك .

2- يكون لديه موقف شرعي قبل الموقف القانوني تجاه مسألة ترويج وتطبيع المفاهيم والاخلاقيات المحرمة برعاية القوى الاجنبية في المجتمع العراقي ، مثل اضعاف الرجولة ، الشذوذ الجنسي ، الالحاد ، المخدرات وغيرها كادوات للحرب الناعمة.

3- سوف يشعر بالحاجة الى تأكيد الهوية الاسلامية للمجتمع العراقي عبر ايجاد وتقوية برامج ملتزمة لمؤسسات الثقافة والاعلام ، والشراكة مع المرجعيات في الطائفتين ، والاهتمام بالاعتدال والاندماج والاستقرار المجتمعي.

4- علاقته مع القوى الاسلامية ليست علاقة سياسية ، بل علاقة عقائدية وشراكة في الثقافة والموقف والرؤية وتفسير قضية الحكم والحاكمية وتكييفها العملي مع النهج الديمقراطي الانتخابي.

5- ربما يكون للاحكام الشرعية في ذهنه مساحة مهمة كمساحة القوانين ، خاصة وان الشريعة فاعلة في حياة اغلب الدول الاسلامية حكومات وشعوبا ، واغلب حكومات الغرب رغم علمانيتها تحتفظ بانتماءها الكاثوليكي والارذودوكسي او البروتستانتي وحتى الصهيوني فيظهر اثر انتماءها المذهبي واضحا في البرلمانات والحكومات رغم نكرانها لذلك.

6- ربما تتأثر عملية ادارته لعلاقات العراق الاقليمية بانتماءه الاسلامي فيكون قريبا من النبض الايراني الشيعي ، محاولا الابتعاد عن الوهابية واذرعها وعواصمها ، وفي ذاكرته فتاوى التكفير وآلاف الانتحاريين والمفخخات التي التهمت بغداد لسنوات عديدة ، وتحتضن داعش حاليا ولا يتوقف تمويلها له.

هذه التأثيرات ستكون بالنسبة لرئيس الوزراء التزاما شخصيا قبل ان تكون التزاما وطنيا .

لكن رب سائل يسأل هل انعكست هذه الاعتبارات على ثقافة وسلوك رؤساء الحكومات العراقية السابقة وكلهم شيعة وكلهم ذاقوا من نظام صدام الاعدام والسجن والتهجير والتغييب هم وأسرهم ؟ والجواب ان مستوى الالتزام الشخصي والرسمي لديهم في هذه الاعتبارات كان متفاوتا لكنه موجود ، بشكل عام كانوا ميالين الى انتماءهم بدرجات مختلفة ، لكن لماذا التركيز على السوداني ومحاولة اعادة قياس مواقفه كرئيس وزراء شيعي اسلامي ؟ الجواب على ذلك ان السوداني اول رئيس وزراء شيعي يتم انتخابه من الاسلاميين (غير المهاجرين) ، وهذا يمنحه ميزة افضل لدى من يعترضون على تكليف المهاجرين ، لذا قد يكون السوداني اكثر رمزية بقضية عذابات الشعب العراقي المعروفة التفاصيل ، اذن المسؤولية تقتضي ان يتبنى ساسة الاسلاميين الشيعة دعم حكومة السوداني لانهم الكتلة الاكبر ، وانه شيعي اسلامي فهم شركاء وطن ومذهب ومشروع ، اضافة الى انهم واجهة المكون الاكبر  المسؤول اكثر من غيره عن وحدة البلد ارضا وشعبا ، ومسؤول عن انجاح الحكومة ومشروعها ، ومشتركون في الفشل والنجاح . خاصة وان بقية المكونات من كرد وسنة وغيرهم يتضامنون عادة مع السلطة التي تخصهم سواء كانت رئاسة الجمهورية او رئاسة البرلمان ، لكن من يقول انه اسلامي فليكن تضامنه مع الحكومة منحصرا في حالات الانجاز والنجاح والتفوق ، وليس في مزيد من الفشل والفساد لاسمح الله.

 

ـــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك