المقالات

التاريخ وأنساق الحدث..


علي عنبر السعدي ||

 

هل بإمكان التاريخ ان يشكل انساقاً ؟؟

- مقولات الزمن الكلي ومتحولات الزمن الفعلي .

- المجتمع الشيعي   - ماذا خلق وبماذا تخلّق ؟؟؟

  التاريخ ليس مجرد حكايات تتراكم  لتصبح موروثاً ، تضفى على جزء منه ، هالة من القداسة والتبجيل ، ومن ثم تحوله الى انساق تخضع المجتمع لمعاييرها  ، فيما تحذف أجزاء أخرى ، أوتتدنّى في مراتبها جرّاء ما ارتكب فيها من أعمال مختلف على وصفها : هل كانت ضرورة أم مبررة أم مدانة ؟ مع ذكر مابذل من جهد لتسويغها أو دفعها لتكون في موقع السيادة والشيوع ،أوالتحوير أوالإهمال .

 التاريخ بمثابة شخصية اعتبارية متعددة الملامح متناقضة الصفات ، لذا يقدم نفسه غالباً ،على صورة تراجيديا سوداء ، لامؤلف محدد تشير إليه وتحمّله المسؤولية ، لكنها مع ذلك تنضح بالسخرية والاستهانة بالعقل البشري ، ناظرة إليه من فضائها الافتراضي ، دونما اعتبار لما يمكن للعقل أن يكتسبه من معرفة ، أو يراكمه من علوم أوجبها التطور أو فعّلها الزمن.

في الزمن التاريخي  ، يتحول الشيء إلى ضده وتتدحرج الأمور إلى عالم من الغيبيات  بديلاً لما تتطلبه الحياة ،فيصير اللامعقول ، ليس معقولاً وحسب ، بل مفضّلاً ومطلوباً تثبيته عند نقطة لاينبغي تجاوزها ، لأنها تمثل الإحالة الوحيدة التي يمكنها منح مشروعية للواقع المعيش ، باعتباره مثالاً نموذجياً ، ينبغي الحفاظ عليه بوسائل التكرار وإعادة إنتاج الموروث، المتكون أساساً من مجموع ما أفرزه المخيال الجمعي ، من خليط تاريخي وأسطوري ورمزي وإيحائي وعاطفي ، يستعاض به عن منتوجات العقل وما تفرضه من أنماط ومنهجيات ، يدخل فيها الجديد كعامل حاسم ومحوري في التغيير ، فالتاريخ يسلك مسارات متغيرة او متفاعلة ، حسب مؤثرات القوى المحركة له أو الفاعلة فيه ، فالمجتمع البابلي ، الذي تحققت له مسارات مستقرة في زمن حمورابي مثلاً ، جعلته يبدع في انتاجه الحضاري ، ليس هو ذاته المجتمع الذي تبعثر وشهد ظروفا قاسياً عند سقوط بابل بيد قورش ، او عند تدميرها بيد ملوك اشور .

 . القديم يكرر الظهور عندما لاتجد المنهجيات الجديدة اهتماماً  يمنحها الأولوية ،أما لعدم قدرتها على مواكبة الجديد بما يتطلبه من ابتكار، أو لما يحمله ذلك من إمكانية التبدل فيما يشغلونه من مواقع ،لذا يتم الاكتفاء بالتكرار الحرفي للمنهجيات التقليدية (1) خاصة وهي تقوم بتأدية المهام الكفيلة بحماية القديم المتراكم والدفاع عنه ، ضد الجديد القادم بكل متطلباته وحيويته  ، التي تستوجب متابعة وابتكارات متواصلة لايبدو العقل التقليدي مهيئاً لها أو مستعداً لمواجهتها ، بمقدار استعداده للتشبث بالوسائل القديمة ( المجرّبة) الكفيلة بتواصله واستمراره ،لأن حقول اشتغاله الفضلى ، هي تلك الممهدة مسبقاً والمسيجة بالمقولات الكبرى عن الهوية والخصوصية والوعي المتمركز حول الذات والأنا وغيرها من الكليات المجردة ، التي "نحول بواسطتها العالم إلى شعارات ومقولات " على الضدّ من الفكر الحيوي المتجدد الذي يصنع الواقع من خلال الفكرة .

(2) . ان صعود تيار ما ، لايعني لحظة أزلية غير قابلة للتبدل – كما يذهب محمد أركون - فذلك الصعود مرتبط بظروف ملائمة تخلقها المعطيات المتوافرة ، وهو ما ينبغي العمل على إدامته وتقويته ، ولكي يتم ضمان ذلك ، لابد من إيجاد (مشروعية) ليس في مقدار ماينجز من عمل أو في أداء جيد لمواجهة المشكلات الاجتماعية المتزايدة ، التي تتطلب حلولاً لايمكن اجتراحها إلا بعقل حرّ قادرعلى التعاطي مع مشكلات مركبة ومتشابكة من هذا النوع (3) ، بل بالإحالة إلى مقولات ماتزال تملك سحر التأثير  ،في النفوس التي ألِفتها والعقول التي تأسست عليها وترعرت فيها ومن خلالها .

 ان الخطاب الغيبي أو الآديولوجي بأحادية أبعاده ومنهجيته البسيطة ، يلجأ في الغالب إلى الموروث ، ليستنهضه ويعيد إنتاجه ليجعل منه مسوغاً طوباوياً تبريرياً ، يتجاوز مفهومي الزمان والمكان والبيئة الجغرافية والاجتماعية، أي أبرز الموضوعات التي تشكلّ بمجموعها أدوات الاشتغال في العقل الحرّ ، ولأنه – الخطاب الغيبي - يمثل استنهاضاً أو استحضاراً سلبياً للحدث التاريخي  ، منزوعاً عن لحظته وتفاعلاته الاجتماعية والسياسية المؤثرة في الحدث والصانعة له ، لذا فإن الثوب المستحضر جاهزاً ، لايجد جسداً جاهزاً بدوره للتلاؤم معه ، ولما كان – الثوب - قد تم فصاله من الموروث المقدس المحتفظ بكامل جهوزيته وطهره ، ما يمنع من أية محاولة للمساس به جوهراً ، لذا يجري العمل على تكييف اللحظة الزمنية بكل أبعادها (الاجتماعية /الفكرية /السياسة ) لتلائم ذلك الثوب وتقاس عليه . ولكي يتمكن العقل العقل الغيبي من فعل ذلك ، ينبغي ان يمتلك من وسائل الضغط مايؤهله لإظهارالواقع المعيش على غير مايبدو عليه .

ان مايحدث في الواقع ، لا يسببه فساد الحكام وسوء إدارتهم بحسب ذلك العقل، بل هو مكتوب في عالم الغيب على شعب لم يقم بما يكفي من العبادات والالتزام بما يأتي به (العلماء ) فترك الدين إلى الدنيا ولم يعد أمامه من سبيل للخلاص سوى بالمزيد من الطاعة والتسليم بمشيئة القدر ، حسب مايورده ليس الحكّام بشكل مباشر ، فهؤلاء ينبغي أن يكونوا مسؤولين عن جعل الحياة الدنيا ممكنة ، وإلا فقدوا

مبررات الحكم بما تعنيه من القوة والسيطرة ، بل يقوم بالمهمة عوضاً عنهم ، (خبراء) مختصون ، يمتلكون الأدوات اللازمة لترويج (حديث الفشل المقدس ) فتثبت جدواها في زمن الديمقراطيات، كما كانت في عهود الاستبداد . (1): للمزيد – راجع (محمد أركون – تاريخية الفكر العربي والإسلامي – ص92) (2) راجع : علي حرب – نقد النص – ص55 - الجزء 1 من (النصّ والحقيقة) .

 

ــــــــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك