ا.د جهاد كاظم العكيلي ||
فلاسفة الفكر الإجتماعي أعطوا إهتماما كبيرا لحالات التطور الإجتماعي وأثرها على الحياة العامة للنظم الإجتماعية السائدة في الدول، وهذا إتضح جليا في الغرب الأمريكي، بعد أن ركب قطار الحداثة حول العالم إلى قرية كونية، لكن فلاسفة المجتمع الغربي واصلوا البحث في النظام الحداثي وإنعكاساته على العالم، وكانت توقاعتهم غريبة ومدهشة لهذا التطور السريع لدول الغرب وسيطرتهم على كل شيء وأهمها الإنسان والآلة ..
وكان من أبرز هؤلاء العلماء سيغمونت باومان أستاذ علم الإجتماع في جامعة ليدز البريطانية، الذي أوضح في كتابه الموسوم (الحداثة السائلة) أي ما بعد الحداثة حول طبيعة المجتمع الغربي، وإلى أين يمضي هذا المجتمع بعد العولمة، وما هي الحالة التي سيعيشها ما بعد الحداثة التي أطلق عليها إسم (الحداثة السائلة)، وما هي إشكاليات المجتمع بفعل تحول العالم إلى قرية، وعندها سوف تذوب الأفكار إلى حالة سائلة وتتغير بين لحظة وأخرى وتنتهي عندها حالة الثبات والإيمانيات والولاءات التقليدية ويغيب دور المجتمع، ويظهر دور الفرد وهو الذي يقود نفسه، أي شيوع الحالة التفكك ..
وفي هذا السياق أكدت رئيسة وزراء بريطانيا السابقة في ثمانينات القرن الماضي، أنه في ظل هذا التطور الحاصل في اوربا، لا يوجد شيء إسمه مجتمع، وبمعني ظهور الفردية المفرطة تحت ذريعة التحرر، والتي تجعل الإنسان يعيش حالة عدم المسؤولية واللامبالات، وهذا يعني أن المجتمع يخرج عن مفهوم الجماعة او المسؤولية الإجتماعية، والتي تقود المجتمعات إلى إسقاطات خطيرة مثل الإنتحار والشذوذ الجنسي وإنعدام الذوق العام مع إنخفاض في قيمة الفرد..
هذه التوقعات والتحليلات يؤكد عليها اليوم الكاتب الأمريكي باتريك بوكنان، الذي شغل منصب المستشار لثلاثة رؤساء أمريكيين بكتابه الموسوم (فناء الغرب)، وفيه يكشف النقاب من أن الغرب يسير نحو الموت الكامل ..
وحدد بوكنان هذا الموت بمرحلتين، أولهما الموت الأخلاقي والتي تتلخص بحالة الشذوذ الأخلاقي، والحالة الثانية الموت الديموغرافي والبايولوجي، المتمثل (بالنقص السكاني بالموت الطبيعي)، ويقول الكاتب أن الموت المقبل مُرعب ومخيف لأنه وباء ومرض من صُنع أيدينا وأفكارنا، وليس بسبب خارجي، فالوباء الجديد لا يقتل إلا الشباب، وهذه المشكلة بحسب رأي الكاتب ستحُول أوربا إلى (قارة العجائز) فسكان أمريكا إرتفع عدده ثلاثة أضعاف عما كانو عليه في عام١٩٦٠، فعدد مُدمني المخدرات بلغ أكثر من ستة ملايين شخص امريكي، وفي سبعة عشر دولة غربية بلغ عدد جنازات الدفن أكثر من عدد إحتفالات الولادة ..
كما يؤكد الكاتب وجود تدمير تدريجي لمفهوم الأسرة من خلال قبول العلاقات الشاذة بين أبناء الجنس الواحد مع تراجع الشباب في الإقدام على الزواج، وهي الثقافة التي أنتجت الحضارة الغربية كما هو مفهوم تقليدي في اوج موتها في الولايات المتحددة الأمريكية، وهذه الحتمية هي التي سينتهي بها الغرب في حالة سيولة الحداثة، والتي لا يتوقف عندها شيء ..
https://telegram.me/buratha