المقالات

الأربعينيةُ وأسطواناتٌ مشروخة..

1059 2022-09-21

حسين فرحان ||

 

عجبتُ لمن لا يتعِظُ من هزيمةِ الجبابرةِ أمامَ كربلاء!

عجبتُ لمن قرأ التاريخَ أو سمِعَ من جدِّه حكايةً تروي تفاصيلَ نهايةِ طاغيةٍ أرادَ بقضيةِ الحُسينِ سوءًا؟

عجِبتُ لمن يُصِرُّ على الإصغاءِ لأسطوانةٍ مشروخةٍ أكلَ الدهرُ عليها وشربَ، فغدا صوتُ مُطربةِ الحي فيها لا يُطرِبُ أحدًا!

عجبتُ لمن لم يؤمِنْ بعدُ بالسُنَنِ التاريخيةِ التي تُخبِرُه أنّ هناك نورًا للهِ لا ينطفئ، وأنَّ العاقبةَ للمُتقين، وأنَّ الزَبَدَ يذهبُ جفاء!

منذُ سقوطِ صنمِ الطاغيةِ وتبدُّدِ أوصالِ منظومتِه العفلقية، صنعتْ بقايا ذلك النظامِ هالةً كاذبةً تحسبُها نورًا، وزوبعةً ضئيلةً تحسبُها إعصارًا لتُغذّيَ بها عقولَ من خسِروا الجولةَ من أبناءِ الرّفاقِ والرّفيقاتِ الذين تناثروا في البلدانِ كذبابٍ مريضٍ ينتظرُ حتفَه، فصارَ حائرًا على أيّ مزبلةٍ يقعُ ليقتاتَ منها وهو يُصدرُ طنينًا مُزعجًا مُقرفًا مُملًّا محفوظًا على أسطواناتٍ مشروخةٍ باليةٍ رتيبةٍ كئيبة.. توضَعُ في آلاتِ التسجيلِ كُلَّ عامٍ مع ثورانِ بركانِ العِشقِ الحُسيني وهديرِ بحرِ الوفاءِ الكربلائي وإعصارِ الولاءِ الذي عجِزوا -حين كانوا يحكمون- عن القضاءِ عليه وإخمادِ صوته..

طنينُ الذُبابِ في الأسطواناتِ الباليةِ يتداولُه السُذَّجُ، وتتناولُه أيادي الحمقى، وتُنصِتُ إليه آذانُ أهلِ الحنين إلى الزمنِ الجميلِ الذين يُصوّرون للعالمِ أنّهم جيلُ الطيبين، رغم أنّ دمويتَهم لم تكُنْ تمتُّ للجمالِ والطيبةِ بأيّةِ صلة!

جيلُ الطيبين هذا.. كانَ يغضُّ الطرفَ عن حفلاتِ الإعدامِ الجماعية إنْ لم يكُنْ يُساهمُ فيها تزلُّفًا لرفيقٍ حزبيٍ بائسٍ يرجو منه زجَّ اسمِه بتقريرٍ لطيفٍ خفيفٍ، تُغدِقُ عليه القيادةُ بسببِه عطايا لا تختلفُ عن ملكِ الري بشيء..

جيلُ الرِّفاقِ هذا.. كانَ يرصدُ الصلواتِ فيُدوّنها في تقريرِه جرمًا أو جنحةً أو هتكًا أو عمالةً.. سمِّها ما شئتَ، على حين ترصدُها ملائكةُ السماء ليُصلّى بها على صاحبِها عشرًا!

جيلُ الذبابِ هذا.. كانَ يحومُ حولَ قدورِ الطبخِ الحُسيني، يشمُّ رائحتَها فتُزعجُه؛ لأنّه لم يعتَدْ على رائحةِ الطيّباتِ من الرزق، فيُخرِجُ أقلامَه الحمراءَ والخضراءَ من جيوبِ بدلتِه الزيتونيةِ، فيبرق لقائدِ حملتِه الإيمانية أنَّ هناك طعامًا قد أُهِلَّ لغيرِ اللهِ به، فتهتزّ (شوارب) القيادةِ المؤمنةِ وتهتزّ أركانُها، فالعراقُ بحساباتِها دولةٌ عفلقيةٌ، يُقْلقُها الدينُ والشعائر، وحين تُقرِّرُ القيادةُ أنْ ينعمَ الشعبُ بالدّينِ فلن يكونَ سوى الدّينِ السلفي والفكرِ الوهابي الذي يُبغِضُ (الطبخَ لأبي عبد الله)..

جيلُ الرفاقِ هذا.. كانُ يرصدُ تحرُّكاتِ الزائرين في موسمِ حُزنِهم، فينصب السيطراتِ اعتراضًا لطريقهم، فإذا كانوا في سياراتٍ تقلّهم ضايقوهم واتهموهم وحقّقوا في أوراقهم كما يُصنَعُ بالغُرباءِ الوافدين من بلدٍ آخر!

وإنْ كانوا سائرين تعقّبوا خطواتِهم في البساتينِ والقفار، يتلذّذون بإلقاءِ القبضِ عليهم، كأنّهم قد اجتازوا الحدودَ إلى دولةٍ أخرى بطريقةٍ غيرِ شرعيةٍ مع أنّها كربلاءُ، المُحافظةُ العراقيةُ التي تكونُ في شهري مُحرّمٍ وصفر من أخطرِ الأماكنِ التي تُهدِّدُ الوجودَ العفلقي المشؤوم.

الأسطواناتُ المشروخةُ الباليةُ التي تستهدفُ زيارةَ الأربعين، طُعِّمتْ مؤخّرًا بطنينٍ جديدٍ لا يختلفُ كثيرًا عن طنينِ السنواتِ السابقة.. مثلًا:

- الفقراءُ أولى بهذا الطعامِ من غيرِهم.

ويقصدونَ بذلك الزوّارَ القادمين من بلدانٍ أخرى..

- لماذا لا تتجهُ هذه الحشودُ إلى الخضراءِ؛ لتُغيّرَ الواقعَ السياسي؟

ولا جوابَ لدينا سوى (نشكرُ حرصَكم على الوطنِ لكنّنا نتساءل: لماذا يرتفعُ مُستوى الحرصِ هذا في شهري مُحرّم وصفر؟).

- لماذا تُقدِّمونَ كُلَّ شيءٍ بالمجان، فلو كانَ هذا الأمرُ في دولةٍ أخرى لجَنَتْ منه الأرباحَ التي توازي أرباحَ النفط؟!

ولسنا نعلمُ هل إنَّ تمويلَ المواكبِ كانَ حكوميًا في يومٍ ما ليُحاسبنا أبناءُ الرفيقات على خِدمةِ الزوار مجانًا؟

وهناك الكثيرُ من الطنينِ في هذه الأسطوانات، يتردّدُ في أروقةِ الفيس بوك وتويتر، لا يُصغي إليه سوى من جلسَ في بيتِه وهو يُشاهدُ عشرةَ ملايين زائرٍ قدِموا من خارجِ العراق، وضعف هذا العددِ من داخله، ويتألّمُ كثيرًا؛ لأنّ الثيابَ الزيتونيةَ والتقاريرَ قدِ احترقتْ بنيرانِ قدورِ الطبخ، ويتألّمُ كثيرًا؛ لأنَّ الرفاقَ لم يعودوا رفاقًا، وأنَّ بضعةَ قنواتٍ فضائيةٍ مُمولةٍ عجزتْ عن تشويهِ الصورةِ الناصعةِ للزيارةِ رغمَ الملايين التي تبذلُها مومياءاتُ البعثِ القابعةُ في دولِ المهجر..

وما هذه الهجمةُ البائسةُ إلا من الغيظِ الذي أدخلته الزيارةُ عليهم.

السلامُ على أربعينِ الحُسين، وشعائرِ الحُسين، وزوّارِ الحُسين، وخُدّامِ الحُسين، وانتصارِ الحُسين.

...........

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك