زينب فخري ||
وجدت الرسوم المتحركة ضالتها في الأساطير والحكايات الشعبية والقصص الخيالية سواء كانت خيال علمي أو غيره. واستطاع العاملون في انتاج الرسوم المتحركة ومنذ عقود من شدّ المشاهدين لمحتواها المتنوع الذي قد لا يشير إلى زمنٍ مُحددٍ ولا إلى بلد محدد، وسواء أكان لها مؤلفين أو هي نتاج خيالٍ جمعيّ.
وقد يرجع سبب قوة الجذب في الرسوم المتحركة إلى الشخصيات الماورائية أو الخارقة سواء أكانت من البشر أو الحيوانات أو كليهما معًا، وكذلك بالنسبة لأفلام الخيال العلمي التي تعطي تفسيراً غير منطقي للأحداث التي يناقشها، كما انها تتناول اكتشافات مستقبلية، وتطورات تكنولوجية غير معروفة في عالمنا، فضلاً عن أن أفلام الرعب أو الخيال العلمي لا تحتاج إلى الالتزام بالقوانين المادية في العالم الذي نعيش فيه؛ لأن مادتها الخيال والإبهار.
وبات للرسوم المتحركة سوق ضخم يلقى رواجاً كبيراً في المجتمعات المختلفة؛ لأنها صناعة وإنتاجها تطور بفعل التكنولوجيا الرقمية، وتطور طرق تنفيذ شخصيات الرسوم المتحركة داخل الفيلم الحي من الشخصيات المرسومة يدوياً ثنائية الأبعاد على ورق إلى شخصيات رقمية ثلاثية الأبعاد، واستخدام نظام التقاط الحركة وإدخال الحركة لشخصية مصممة بالكمبيوتر تحت تنفيذ الحركات بطريقة أيسر كما أضافت للشخصية الكرتونية المرونة في الحركة ومحاكاة الشخصية الحقيقية، وهذا التطور أسرع من عملية تصميم الشخصية الكرتونية فضلاً عن الدقة؛ ممّا اعطى القدرة على الإبداع أكثر وتحقيق درجة الإبهار والتشويق في العمل.
لكن في السنوات الأخيرة يلاحظ أن الرسوم المتحركة تتناول موضوعات تكاد تكون متشابهة وابتعدت عن المفيد للثقافة الإنسانية وتنمية وعي الأطفال والفتيان ولم تعدّ عاكسة لثقافات الشعوب، فبعضها ولاسيما الرسوم المتحركة المعتمدة على الأساطير أو الخيال تتضمن تحريفاً وإبطالاً للحقائق الشرعية، كالقدرة على إحياء الموتى ومعرفة الغيب. كما تتضمن في كثير من الأحيان تشويهاً وقلباً للحقائق العلمية التجريبية، كالحركة ضد قانون الجاذبية أو الرجوع إلى الماضي أو المضي للمستقبل عبر آلة أو بفعل أعمال سحرية أو غيرها، ولا شك أن ذلك ينعكس سلباً على ذهن من يشاهدها لاسيما الأطفال والفتيان بل حتى المراهقين.
ولا يخفى أن الرسوم المتحركة شأنها شأن أي مادة فيلمية تعرض على الفضائيات أو على تطبيق اليوتيوب، مع ملاحظة أن الفضائيات أكثر حذراً في اختيار ثيمات الرسوم المتحركة والتحقق على ان لا تكون منافية للشرع، فيما يلغى في تطبيق اليوتيوب هذا المقيدات.
وبمتابعة سريعة لأهم الرسوم المتحركة التي يتابعها أطفالنا، نرى أن أغلبها تتناول الثيمات الأتية: رسوم لمصاصي الدماء والتحول إلى خفافيش، رسوم تتناول أشخاص لديهم قوى سحرية خارقة لتحقيق أهدافهم، فهناك من يمتلك قوة النار، وآخر قوة الهواء، وثالث قوة الأرض، فيما تمتلك فتاة قوة الماء!.
فعلى سبيل المثال: (شعلة ريكا) قوة سحرية لرجل شرير اسمه (كوري) يتقاتل مع آخر اسمه (ريكا) الذي يمتلك مجموعة من التنانين. أما (أسطورة كورا) فتتحدث عن مجموعة فتيان لديهم قوى خارقة لتحقيق الخير، فهناك رجل يمتلك قوة النار، وآخر يمتلك قوة الهواء، وثالث يمتلك قوة الأرض، فيما تمتلك فتاة قوة الماء.
فيما يتناول المسلسل الكارتوني (السراب) سبعة فتيان يمتلكون قوى الخير من خلال الاتحاد وتشكيل ما يسمّى (السازوكو) من خلال تنين أحمر، مقابل سبعة أخرى تمتلك قوى الشر تتحد لتشكيل قوة (السيرو) من خلال تنين أزرق.
أما (ننجا كو) فهناك سبعة مقاتلين، كل منهم يمتلك في يديه قوة: النار، والجليد، والصخر، والبرق، والماء، والرياح،... يقاتلون قوة الشر المتمثلة في الأفاعي، أما محقق النبوءة فهو يحقق السلام في العالم من طاقة خضراء في يديه.
أما (انمي اولاد إبليس) فتناول فتاة أنسية يقودها القدر إلى عائلة من فتيان من مصاصي الدماء، ولا شغل لهم غير مص دمها متى شاءوا، ثم تختطفها عائلة أخر من مصاصي الدماء لكن ليس مصاصي دماء أصلاء، ويحدث أن تستهدف من مجموعة ثالثة مستذئبة، فتتحد العائلتان الأوليتان لإنقاذها؛ لأن دمها شهي!
فهذه الرسوم المتحركة ليس هي فقط هدراً للوقت ولا تقدم أي منفعة ثقافة أو فكرية بل قد تنصدم مع المعتقدات الدينية أو الأخلاقية للمجتمع لكن الطامة الكبرى أنها تجد لها متابعين من مختلف الفئات العمرية، بل المتابع لتعليقات بعضها يجد الشغف والتعلق والتشوق لتلك النوعية من الرسوم المتحركة.
وإذا كان سبب ذلك يعود إلى محتواها وثيماتها الأسطورية والخيالية التي تشد المشاهدين كان يمكن للسينما العربية أن تقدم رسوماً فيها من الخيال والإثارة ما يغني المشاهد العربي بشكل خاص لكن للأسف مازالت السينما العربية غائبة تماماً عن أفلام ومسلسلات الرسوم المتحركة الأسطورية أو الخيال العلمي، نظراً لوجود إشكاليات دينية تحرّم تناول مثل هذه المواضيع في الفن وأسباب أخرى.
ألواح طينية ، الرسوم المتحركة، زينب فخري
ــــــــــــ
https://telegram.me/buratha