كوثر العزاوي ||
كلّ مسلم ومؤمن لاشك أنه يعرف معنى الذمّة، وقد يشغله كثيرًا مسألة إشكال الذمّة كما يهمه إبراءها من أي ظلم أو غصْبِ حقٍ أو أذية مسلم أو غير ذلك من انواع الجنايات والهفوات والذنوب والخطايا، فلا يتصوّر البعض أنّ الذمّة تكون مشغولة فقط عندما يكون أحدنا قد فاته صومًا أو صلاةً أو ايّ واجب شرعيّ فلم يؤدّهِ؟!! كلا..إنما تبقى الذمة مشغولة طالما هناك اعمالٌ او مواقف او كلمات صدرت من العبد ولم تكن منسجمة مع إرادة الله تعالى وقد خلّفت جرحًا أو أثرًا في نفس إنسان ما أو جماعة معينة، والذمة هي كل مايلتزمه الإنسان من التزامات أوتعهّدات تُبرِز أصالة تصرّفاته ومدى موافقتها لإرادة الله تعالى، وتلائُمها مع ما شرّع من أحكام عرّفها للنّاس وأراد لهم أن يجعلوا من مسؤوليّاتهم تجاه مايصدر عنهم فرصةً لتكون ذِمَمهم خالصةً لله تعالى لا للنفس ولا لمصلحة ما، كما لايشغلها شيء من الانصياع للشّيطان، ولا يوجد فيها مايُشغِل عن استحضار الله وطاعته، ولا شيء فيها مما يجعل الإنسان يعيش الفراغ والعبث وعدم المسؤولية التي تُدخِلُه في الضياع وفوضى التغيير التي قد تجرّ صاحبها إلى الخوض في الباطل بعيدًا عن المروءة وتقوى الله، ليسقط اخيرًا في شباك الشيطان وحزبه من حيث لايشعر!!
فذمَمُنا في الواقع، إنما هي مسؤوليّاتنا أمام الله تعالى، فيما نقول ونفعل ونثبّت من مواقف واعمال صالحة أو طالحة، فلا ينبغي الغفلة عن التفكير بأننا من أهل الذّمم الذين يتحركون بكلّ وعي ومسؤولية وخوف من الله مايجعلنا نقف عند الشبهات، ونُلزم النفس بحدودها وإمساكها عن التراخي أمام نعومة منافذ الشيطان الجاذبة، وحفظها من التعثر وتوجيهها صوب خطّ الهداية، لا أن تبقى مغمورة في النزوات والشهوات والأهواء المضلّة والأنا وتَحسَبُ أنك من القرب والهدى بمكان!!
ومن هذه المساحة النورانية، تتولّد البصيرة التي هي سلاح العصر المسدّد، إذ لاغنى عنه مع كل حركة وانتقالة وانطلاقة وانفعال لكي نضمن استقامة سيرنا مع الحقّ والعدل والخير والفلاح ومن ينتمي إلى ذلك الحصن المانع! فلو وصل أحدنا إلى هذا المقام فهذا عين مايؤكد معنى إبراء الذمة التي ينشدها كل صالح يريد وجه الله!!
أما كيف الخلاص من التبعات التي تُشغل ذِمَمنا كوننا غير معصومين؟!
الجواب:
اولًا- أن نجعل من ذمّتنا مساحة لتأكيد المسؤوليّة أمام الله تعالى وأمام أنفسنا، ونجعلها بريئة، أي خالصة لوجه الله، ومحقِّقة لإرادته "عزوجل" بكلّ قوّة وثبات وعزم بالالتزام بما يريده منّا لا بما تريده رغباتنا!! وذلك بالعمل في سبيل الله والدفاع عن الحق في كل مواطنِهِ.
ثانيًا- الوقوف والتأمل عند رأي الشارع المقدس باعتباره طوق النجاة والضامن من الزلل والخلل والسقطات وسخط الخالق"عزوجل" وذلك بالرجوع لأهل الخبرة من العلماء والفقهاء ومَن بلغ رتبة الاجتهاد والأعلمية الجامع للشرائط المعروفة لدى مَن يفهم في التقليد الواجب على مستوى حركة الحياة العامة والخاصة، وبما أنّ اختلاف الحركة بين إنسان وآخر وفئة وأخرى وطائفة وغيرها قائمة، فقد تبقى هي الأهم والأخطر عندما تقترب من نقطةٍ تمثّل العبث في مصير الأمة أو دماء محرّمة تحت ذريعة الإصلاح أو التغيير، والواقع هو التخبط والفوضوية وزعزعة الاستقرار بعينهِ، حينذاك أيّ ذمة تلك التي سيشغلها مثلُ هذا الحيّز الثقيل الذي لايُحتمَل وزرَهُ ووزرَ من يتّبعه!! مثال ماتشهده اليوم الساحة العراقية الملتهبة بأنواع الذّمم المحشوّة بآفات الجرائر والخطايا لزُمَرٍ لاتقيم للشرع وزنًا ولا للحلال والحرام حسابًا، وكل أمر عندها خارج أسوار القوانين السماوية! واذا ما وُجِّهوا أو نُصِحوا فلا تسمع إلّا صخبُ التهديد والوعيد، ولم يألُ جهدًا في التسقيط والفحش والبذاء وسلاطة اللسان زورًا ونفاقًا وتصعيدًا!! ليت شعري، كيف ضمن هؤلاء شرعية أفعالهم وأنفعالاتهم اللامتّزنة!! وليتهم يعلمون أولئك المتطاولون على الله ورسوله أنهم لايفقهون بل معتدون معاندون متطرفون متعصبون لايَرقُبوا في ذِمَمِهم إلًّا ولاذمة!!!
فلم يعُد أحدا بعيدًا عن التسقيط والإساءة والشتم ضمن حملات منظّمة تُشنّ دون التمييز بين رجل دين أو مثقف أو مرجع او سياسيّ،
بل ضد كل مَن يسعى لإحياء الدين واستقرار المجتمع وقيَمهِ التي باتت تنخرهُ مخططات الاستكبار العالمي وأدواته عبيد الدنيا والدولا وشذّاذ الافاق، عبر الترويج لنماذج تافهة من وعّاظ الجهل والضلال المتفَيقهين المبتدعين دينًا جديدًا هدفه تجهيل وتسطيح افكار أكبر عدد من الناس بهدف ضرب التشيّع ورموزه العادلة المتمثلة بالمرجعية الرشيدة والحوزة العلمية ذات النزاهة والوجاهة والشرف منذ تاريخ الغيبة الكبرى!! ترى أي وسيلة من شأنها تُبرئ ذمَم هؤلاء وقد عاثوا في الأرض فسادا وهَدَموا بمعاول جهلهم قممَ الشريعة الاسلامية وقاماتها التي هي امتداد لأصل الإمامة والنائبة عنها بأمر الله
"عزوجل" والامام المعصوم، وهم يَحسَبون أنهم يُحسِنونَ صُنعا!!!
قيل عن أحدهم: قلت للإمام الباقر "عليه السلام":
{إني لم أزل واليًا منذ زمن الحجاج إلى يومي هذا ، فهل لي من توبة ؟
فسكت،ثم أعدت عليه، فقال
"عليه السلام" : لا ، حتى تؤدي إلى كل ذي حقّ حقّه} الكافي 2/331.
وعلى ذلك قِسْ!!
٢٩- محرم١٤٤٤هج
٢٨-٨-٢٠٢٢م
https://telegram.me/buratha