رواء الجبوري ||
تعلّمنا ومُنذ الصغر ونحن في الدراسة الإبتدائية عندما كنّا ندرس كتاب الوطنية إنّ "المُواطنة" هي تلك المشاعر النبيلة التي تهز كيان البشر وتُشعره بالإنتماء وبترسيخ هويته وتُقوّي فيه أواصر الإتّصال بأرضه وأهله وشعبه وأمّته وهي أكبر من الانتماءات المذهبية والعرقية والقومية وتعلّمنا أيضاً إنّ مفهوم كلمة "وطن" عظيم في الأصل، والوطن الذي ولدنا فيه، وعشنا في كنفه، وكبرنا وترعرعنا على أرضه وتحت سمائه، وأكلنا من خيراته وشربنا من مياهه، وتنفسنا هواءه، وإحتمينا في أحضانه، يجب على جميع أبناءه حمايته، ودفع أي خطر عنه، وهذا مفهوم واضح وجلي لا يختلف عليه عاقل، وهو ما يحصل في بلدان العالم عندما تتعرّض لخطر ما أو غزو أو تهديد خارجي فيتكاتف أبناءه في الدفاع عنه وحمايته، فتُلغى حينئذٍ هوّية الفرد إتّجاه الوطن.
ما أشبه الماضي باليوم مع ظهور فرق الحشد الشعبي وتميّزها القتالي وفكرها العقائدي الراسخ، ما هو إلا إستمرار للفكر البطولي لأتباع أهل البيت (عليهم السلام) في صمودهم ضد القوى السياسية التي ناصبتهم العداء قديماً والى اليوم .
فالكثير من أهل الفكر والسياسة يُحاولون أن تتماهى الهوية المذهبية مع الهوية الوطنية وبالتالي مُحاولة رفع سقف الفكرة لتتجاوز سقف الوطن وهذا هو الخطر الأكيد، إذ أنّ كل ما يُعانيه العراقيون الآن من خراب وفساد واضمحلال هو نتيجة تداخل الهويات الفرعية
وصراعها مع بعضها على حساب الصوت الوطني الذي يجمعنا، وعليه فمن الضروري أن تُلجم وتُسكت كل الأصوات التي تُنادي بالهويّة المذهبية كمسألة أولى ثم يليها الوطن ثانياً سواء كانت في الكواليس أو في العلن"
الحشد الشعبي تجربة كبيرة ورائدة في استنهاض همم الشعب والدفاع عن الوطن ومُكتسباته ضد أي إعتداء كان، وقد كانت نتاج ساعة وعي ونُضج عراقي عظيم، وهي فكرة خيّرة وسابقة خلقتها المرجعية الرشيدة لأجل إنقاذ الوطن من الأشرار، رُغم أنّها لم تكن جديدة أو إختراع عراقي بإمتياز، فكثير من الشعوب تلجأ لهذا الإسلوب في تحشيد قُواها الشعبية عندما تتعرّض لأخطار شتى البشرية والطبيعية وحركة نضالات الشعوب تدلّنا على فهرس هذه المُبادرات لكن بالتأكيد ما نلمسه من هذا الفعل التعبوي العراقي أنّها كانت سريعة جداً ومُستوعبة للواقع العراقي وهدفها نبيل ووطني، لا يُمكن الشك فيه لحظة واحدة". (حياكم وبياكم الله اسود لاتبالي الموت على الحياة )