لمى يعرب محمد ||
أنا مولود شهري، أنير السماء في حلكة ظلامها الدامس، أسكن عليائها وأنظر وأراقب الأرض ما تحمل في طياتها، أبدو صغيرا ثم أكبر وأكبر وأعود صغيرا، عند ولادتي الجديدة وتحديدا في شهر محرم من سنة 61هـ، وأنا سعيد بشكلي اللطيف والجديد، الناس فرحون باستقبالي، أنظر إليهم وينظرون إلي بشوق ومحبة، شاهدت ضوءا ساطعا كأنه ضوئي حين اكتمل، يسير بخط ليس له بداية ولا نهاية، يشع ضياءه فيغطي الكرة الأرضية ويدور مع محورها، أدهشني النور الذي يسطع من هذا المسير و وقررت أن أتابع طريقهم أينما ذهبوا، يسير هو وأنا أتابعه وإذا به يدخل أرضا تدعى كربلاء ، وهي مدينة تطل على شاطئ نهر الفرات، وقد مضى من شهر محرم تسعة أيام، في ليلة هذا اليوم بدأ نهر الفرات يغير لونه ويضمحل شيئا فشيئا، وبدأت الأرض تموج بأهلها كأنها تستعد لأمر مهول، تعقدت حركتها واختنق فيها الهواء واختزلت ذرات الأوكسجين، دخلت الكرة الأرضية بإنذار شديد الدرجة، وأخذت جميع تضاريسها ومناخها بالاضطراب، فقدت الاتجاهات وحطمت جميع المدارات، يا للهول ما الذي يحصل؟!!..
سأنزل إلى الأرض لأستعلم أي أمر قد حدث، ذهبت إلى الفرات سمعت صوتا يخرج من قربه، فكانت هناك خيام ونساء وأطفال، ورجال كالأسود الضاربة، يمتازون بنفوس طاهرة وقلوب خاشعة يناجون الله ويدعونه ويستغفرونه، ولهم دوي يشبه دوي النحل في خليه العسل، وبينما أنا أتنقل من خيمة إلى خيمة وأتأمل تلك الوجوه العجيبة رجعت إلى شاطئ الفرات لأسأله من هؤلاء القوم ولماذا تغيرت الأرض هكذا؟..
أجابني الفرات: إن ذاك الرجل يدعى الحسين بن علي وهو حفيد خاتم أنبياء الله ورسلهم والذي بجانبه أخوه العباس(ع)، خرج عليه قوم جده ليقتلوه ظلما وبهتانا وقد قطعوا عنه وعن عياله مائي ولا أعرف كيف أوصل له أسفي واعتذاري، ولا أنا قادر أن أرفع عينيّ إلى السماء وأعترف إني أنا الفرات الذي بخلت بإعطاء الماء لابن بنت رسول الله، وفيما أنا بذهول من كلام الفرات وإذا بصوت آذان الفجر يعلو كربلاء، الله أكبر..الله أكبر..
صلى الحسين وأصحابه(ع)، وخطب بالقوم الذين يعزمون على قتاله، لكن القوم كانوا مصرين على قتله، وبدؤوا فعلا بمقاتلته، علت الرماح والسهام وأخذت تتراشق كالسيل، شاهدت سهما يشق نورا ساطعا أسرعت له وقلت ما الذي فعلته يا سهم فقال: أصبت عين العباس فأحرقت جوفي حرارة دمه ، التفت ورائي وشاهدت نبلة ثانية أصابت طفلا رضيعا برقبته فعلا دمه إلى السماء ولم يرجع، وأنا اركض فزعا من مكان إلى آخر سمعت منادي يقول يا أيها الناس قتل الحسين عطشانا وأحرقت الخيام وسبيت النساء وقد وضعت الحرب أوزارها!!.
بعد انجلاء غبار المعركة جلست أنا والسهم والفرات نشكو حالنا ووزر أعمالنا، مصدومون من هول الواقعة، هنا جثث بلا رؤوس، وهناك أشلاء متناثرة، تلك طفلة تصرخ رعبا، أمهات ثكلى وأطفال يتامى، وتربة كربلاء تغص بدماء آل بيت محمد(ص).
ما الذي نفعله وكيف نكفر عن خطايانا، فهذا ذنب لا مغفرة فيه، قال السهم ربي قد رماني صاحب القوس فأصبت رقبة موسومة بالحب والأمل، وأصبت عينا وقلبا وجودا، وكان هذا خارج إرادتي لك الحكم وأنت خير الحاكمين، لكني يالله أعاهدك إن عودي الذي أحترق بحرارة دم الشهداء، سيحمل راية الحسين فيعلو بها في كل عام، قال الفرات باكيا لا يغفر الله لمن لا يروي عطشانا، إني أعاهدك يالله بكفوف العباس التي لامست مائي ان كل من أسقيه جرعة، سأروي له قصة عطش الحسين، أما أنا فأقول ربي هيهات ننسى كربلاء، مع كل ولادة هلال يتجدد ذكر الحسين، تجدد شهادة ضامنة لحياة أمة ومؤسسة لبناء عقيدة، ارتبطتُ به أنا "هلال محرم" فلن أنساه، وأرتبط هو بي فعلا شأني وزادني قدسية..