المقالات

الإنتفاع من التجارب..


كوثر العزاوي ||   قال الإمام أمـير المـؤمـنين عـلـيّ "عليه السلام" : {وَنَاظرُ قَلْـبِ اللَّبِيبِ بِـهِ يُـبْصِرُ أَمَـدَهُ ، وَيَـعْـرِفُ غَـوْرَهُ وَنَـجْــدَهُ.} {نـهـج الـبلاغـة: الخطبـة ١٥٤} والمعنى: لـيس الـعاقل مَن حـفـظ الحقـائق عن ظهـر قـلب، وأجاد في بـيانها وتفاصيلها، وليس مَن قرأ وتابع ونقَدَ واستنتج، وإنما العاقل اللبيب من استفاد مــن التجارب وانتفـع بكلّ مايرى ويسمـع ، ثم يعرف الى أين ينتهي به الطريق الذي يسلكهُ دون أن تلحقه تبعة!  وبعبارة أخرى: أنّ العاقل مَن يملك القدرة على التمييز بعين البصيرة، والعمل بما يعلَم "وَيَعْـرِفُ غَوْرَهُ وَنَجْـدَهُ" أي: يعرف السرائر والبواطن بمقدار مايملك من البصيرة، ولاتخدعه المظاهر والكواذب. فقد ورد عن النبي الاكرم "صلى الله عليه وآله"ما مؤدّاه { إنّ من يزداد علمهُ ولا يزداد هُداه ، فانّ علمَهُ لا يزيدُه إلا ابتعادًا عن الله "عزوجل". لانّ الأصل في طلب العلم والتزود بالمعرفة هو الوصول إلى القرب من محضر القدس"جلّ جلاله" عبر خدمة المجتمع وقضاء حوائج الآخرين والتفكير الدائم في التغيير نحو الأفضل، فضلًا عن اجتناب الوقوع في فخاخ الشبهات والإشكاليات، فقد يوحي إلى الانسان عقلُهُ القاصر  وبمعونة الشيطان، أنه كلما زاد علمه  وزاد مُريدُوه زاد مقدارُه، أو كلما ارتفع منسوب سلطته ارتفعت منزلتهُ عند الله، فيرى أنه مخوَّل، يقول مايقول ويفعل مايفعل دون خشية أو وَجل أو حساب لنظرة الله إليه، فتراهُ يعيش الزهو ويُكثِر من الأدوات التي تقيّده باتجاه الذات والأنا ، ويصرف جلّ اهتمامه في النفس والدنيا مندفِعًا بلا رؤية ولارويّة، وعلى حين غفلة يجد نفسه قد أركسَ في الهوى حتى أصبح عبدًا منقادًا، وقد جهِل وتوهّم  أنه عبدًا لله وحده وحسب!! فتراه يعبث في مقدرات الناس، يروّع تارة ويصنع الفوضى تارة اخرى كأنه وحاشيته كِلابًا مسعورة لا تَهاب ولاترعوي، بل سارحة في غيّها!! وما ذُكر ليس ضربًا من خيال، وقد جاء مثال ذلك في كتاب الله تعالى  كيف أنّ خطر الهوى وحب الدنيا  يهدّد حتى العلماء ومَن هم على درجة من التقوى، فما بالك بِمَن ركِبه الهوى وتردّى في الجهل واستحوذ عليه الشيطان، وما المثال الذي ساقه القرآن إلّا دليل على ذلك فيما آل إليه مصير من كان يملك الاسم الأعظم "بلعم بن باعورا" وكان عالِمٌ فلم ينتفع بما آتاه الله من العلم والمعرفة ولم يثبت على الهدى والرشاد في المعتقد والسلوك، فجعله الله مثلًا لكل انسانٍ يؤثرُ هواهُ على هدى الله ويجحد فضله وماآتاه، {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ* وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث﴾الأعراف ١٧٥-١٧٦ العبرة : أنّ الإنسان المؤمن كما أنّه مدعوّ لمعرفة الله تعالى وأخلاقهِ ليتخلّق بها "تخلّقوا بأخلاق الله" كذلك هو مدعوّ لمعرفة عدوّهِ الشيطان الرجيم ليبتعد عن أخلاقه. خشية الوقوع في مصائده! والشيطان هو كلّ موجود مؤذٍ مغرٍ طاغٍ متمرّد، إنسانًا كان أم غير إنسان، أما إبليس فهو اسم الشيطان الذي أغوى آدم ويتربّص هو وجنده الدوائر بأبناء آدم دومًا كما راهن ربّ العزة على ذلك، فما على العاقل اللبيب إلّا أن يحذر الشيطان فإتّباعهُ  يبدو بخطوة تلو الاخرى، وثمّة أمور تساعد على مجابهة الشيطان ومعرفة خططه، ومن خططه أنّه لا يوقِع الإنسان المؤمن في المعاصي الكبيرة بخطوة واحدة وبشكل مكشوف، بل يُعطيه السموم جرعة فجرعة، وهذا ما أشارت إليه الآية الكريمة:  ﴿وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾ فعبارة ﴿خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾ قد تشير إلى مسألة تربوية دقيقة وخطيرة، سيما ونحن في زمن الفتن التي وصفتها الروايات كأنها قِطع الليل المظلم رغم وضوح الرؤية لبعض مايجري من فوضى السياسة وصخب رعاع المرحلة ، فاعتبروا وتأمّلوا.!!   ١-محرم ١٤٤٤هج ٣١-٧-٢٠٢٢م
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك