الحقوقي علي الفارس ||
يعد شهر محرم الحرام، شهر ملاحم البطولة والتضحية والفداء الذي رسم تاريخا خالدا و فريدا، جسد انتصار الدم على السيف، بعدما شهد سفك دماء افضل خلق الله في ذلك التاريخ، على الارض ليحفظ الدين الاسلامي المحمدي الاصيل، وبه انتصر سيّد الشهداء في ثورته الخالدة، وانتصرت أهدافه ومبادئه العظيمة، وظلّ مثلاً و نموذجا أوحدا للكفاح المقدس وشبحا يطارد الظالمين و يؤرق الطغاة علي مدى العصور و الأزمان، كما يمدّ الثوار و اباة الضيم بالعزيمة والارادة والرؤية و البصيرة الثاقبة.
ها هو شهر محرم الحرام ، اقبل علينا من جديد ليعيد ذكرى اوسع و اكبر ملحمة في الوجود و سطرتها الدماء الزاكيات بأحرف من نور تضاهي سعة التاريخ . شهر نشر بظلاله الحزين و المؤلم ، وتجددت معه المأساة في قلوب المحبين ، شهر شهد الملحمة التاريخية التي لازالت اصداؤها تختلج في النفوس لتشكل مدرسة للإباء و لتعبر الانسانية بذكرها إلى هناك ، حيث الطريق الاقصر إلى الحرية والشهادة والكرامة والسعادة الابدية . شهر نراه حاضرا كل عاما بكل مأسايه وعلى مر السنين ، ليهب للإنسانية دروسا في التفاني و الشجاعة والتضحية و البطولة في هذا العالم الفاني..
لقد غيرت عاشوراء مجرى التاريخ ، و فتحت آفاقا مشرقة للوقوف بوجه الظلم والطغيان . ولاشك ان الامام الحسين عليه السلام ، هو حامل راية الاسلام المحمدي الاصيل الذي اظهر بان الانسان الحقيقي لن يطأطأ هامته امام الظالم . انه قمة من قمم اهل بيت النبوة عليهم السلام السامية ، الذي لم يتوان لحظة واحدة في جهاده امام اليزديين والذي ادهش العالم بمواقفه المبدئية وتضحياته وتفانيه .
حقا ان شهر محرم الحرام هو شهر الملحمة والشجاعة والشهامة ورمز لمقارعة الظلم و الاستكبار . و لقد ألهبت ملحمة عاشوراء الخالدة عواطف الاَحرار في كل مكان ، و دفعتهم إلى النضال في سبيل تحرير المجتمعات من نير العبودية والذلّ ، وإنقاذها من الحكم اللامشروع .
لقد اقبل محرم ليستمطر السماء دما و دموعا على فراق العترة الطاهرة .. وستظل البشرية تذرف دموعها دما ، حزنا على هذه المأساة الخالدة بخلود التاريخ . ورغم ان الإمام الحسين عليه السلام ثار على الظلم وحارب يزيد ، الا ان ثورته الكبرى كانت ضد الجهل والتضليل ، و من هنا ظلت ملحمة كربلاء منارا ينير طريق الجهاد ضد المستكبرين على مر التاريخ الاسلامي . نعم ان شهر محرم الحرام هو شهر انتصار الدم على السيف، شهر دفع الباطل الى هاوية السقوط ، وهو شهر ثأر الله و شهيد كربلاء .
ان ثورة اولياء الله ، خلقت عظمة بعظمة تاريخ المسلمين حيرت الانسان بشتى انتماءاته وعقائده الدينية ، وتحولت هذه الثورة إلى اسوة في كثير من الحروب الكبيرة للانسانية جمعاء ، و هي ثورة اراد رائدها العظيم عليه السلام منها تغيير الواقع المرير الذي تعيشه الامة و تقويم الانحراف الذي اصاب مسيرتها ، جراء الحكم الاموي المنحرف عن جميع المبادئ الاسلامية والاعراف الدينية .
لقد امتزج اسم محرم دائما بشهامة و بطولة الاشخاص العظماء ، الذين لم يبخلوا في تلك الظروف الحساسة ، طرفة عين عن الوفاء والتضحية بأرواحهم وكبروا في ظلال الخوف من الله والوفاء لدينه وخلقوا ملحمة لا مثيل لها . عظماء امثال ابي الفضل العباس عليه السلام الذي تقلد بشجاعته وتضحياته وسام ساقي عطاشى كربلاء، اما الإمام السجاد علي بن الحسين و السيدة زينب بنت امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهم السلام الذين حضروا واقعة الطف ايضا، ضربوا بعد الواقعة اروع المواقف البطولية الشجاعة و البسالة واماطوا اللثام عن الوجه البغيض لليزيديين وفضحوا حقيقة امرهم للمسلمين و كشفوا جانبا اخر من واقعة كربلاء بخطبهم الثورية الخالدة.. انه شهر التضحية لعشاق طريق الحق ، و ان العيون لتنهمر بدل الدموع دما في ذكرى فراق الكوكب الثالث من انوار اهل بيت الوحي والرسالة عليه السلام، وهو ذكرى انتصار ثورة كربلاء ، التي ستظل رايتها خفاقة على مر التاريخ والى الابد
نعم انها ثورة الحسين علية السلام ،ونحن لم نعاصرها ولم نشاهدها، لكن نعيش اثارها ونتائجها وبنفس الوقت ندفع ثمن ولائنا وتعاطفنا وحزننا لتلك الواقعة الربانية ،على الرغم من ذلك ونحن نعيش جزء منها اليوم من خلال ما نرى من فتن واضطهاد ضد اتباع اهل البيت عليهم السلام، نستطيع ان نجسدها بمعسكر الحشد وكم الأعداء ضده، وتوجيه رماحهم علينا من كل صوب ،حتى من ادعاء التشيع، كربلاء اليوم تجسدت في الأوضاع التي نعيشها ، والتي يريدون فيها قتل وتهجير اتباع تلك الثورة الحسينية ، لكن هيهات منا الذلة ، ونحن على العهد باقون وسائرون ولمحبة و ولاية ال البيت مستمرون ،حتى لو كلفنا الامر ارواحنا في سبيلهم ،لان في طريقهم النجاة ..