(إنّا لننصر رُسلنا والذين امنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد ) سورة غافر الاية 51
إن من أكثر الاسئلة التي يطرحها فئة الشباب فيما يخص القضية الحسينية هو كيفية نسب النصر للإمام الحسين ع وانصاره في حين أن يزيد لعنه الله قد تمكن من ازاحه خصمه وعليه فالغلبة تكون لصالحه ، فهل نسبُ النصر اليه عليه السلام هو من باب التعاطف ؟.
إن السبب في هذا الالتباس يعود الى مفهوم النصر ذاته ، فهو مفهوم واسع له اوجه متعددة وبتعددها تختلف وجهات النظر بحسب الزاوية التي يُرى فيها، ولرصد جواب منطقي لابد من الاحاطة بمعاني المفردة .
إن أول معنى يتبادر الى الذهن عند ذكر المفردة هو الغلبة والظفر على الاعداء ومحيطها ساحات القتال وهو احد معاني النصر فعلا ً ، غير أن النصر كمفهوم اعم من الغلبة وعليه فإن الغلبة وجه من اوجه النصر ، وقد ترد اللفظة بوجه ومعنى اخر يتمثل بالعون والمساعدة وهو من أقوى المعاني لمادة النصر ( إلا تنصروه فقد نصره الله ) حيث أن اغلب الايات التي ترد فيها المفردة تصب في هذا المعنى فالإعانة حينما تختص بالمظلوم يُطلق عليها نصر ، وللمفردة معانٍ اخرى اضافية فقد ترد بمعنى نفي القدرة الذاتية ( ويا قوم من ينصرني من الله ) كما انها ترد بمعنى نفي الحماية من عذاب الاخرة ( يوم لا يُغني عن كيدهم شيئا ولاهم يُنصرون ) فهذا الكم من المعان هو ما تسبب في ايجاد كم من الوجوه التي لابد من تشخيصها وتحدد مصاديق لها في كتاب الله .
إن مفهوم النصر بالكلية منحصر في الله عز وجل ( وما النصر إلا من عند الله ) ، فإن أُريدت به القدرة فلا قدرة مطلقة الا لله ، وإن أُريد به نفي الحماية فلا عاصم من الله إن اراد ان يُعذب احدا ً في الاخرة ، وإن أُريد به العون على الظالم فالله المستعان ، وأن أُريدت به الغلبة فالله الغالب المتعالي قهر عبادة بالفناء ، وبناء على كل ما تقدم فالله هو خير ناصر ومعين .
وبالرجوع الى الجواب يتضح انه حين وضعت الامة الإمامة في غير موضعها باتت ظالمة و الإمام الحسين ع مظلوم ، وبإرتدائه ثوب المظلومية استحق العون والمساعدة من الله تعالى تجاه خصمه فبات منصورا ً منه عز وجل ومنتصراً على خصمه واذا تاملت في الغلبة فمن قال ان حدودها بحد السيف وزهق الانفس فقد تكون الغلبة غلبة مشروع غلبة منهج لذا تعمد الامام عليه السلام وصف الحدث بالفتح كيف يتسع ادراك الامة فهي ليست معركة لتكون الغلبة فيها لمن يكسب الغنيمة ويقتل الخصم بل هو فُتح وللفتح ابعاد اجتماعية ومنهجية مستقبلية نحمد الله تعالى أن رزقنا بركاتها .
إن الاية التي أُستهلت بها حلقة اليوم فيها وعد نوعي وليس شخصي لرسل الله تعالى ولكل مؤمن ، بانه منصور بنصر الهي في الدنيا والاخرة ، وحين يكون الله عز وجل ناصرك ومعينك في الدارين هي بلاشك هبة عظيمة منه تبارك وتعالى مشروطة فقط بأن تُقبل عليه تعالى بقلب ٍ سليم وان تحرص أن تكون في دائرة المؤمنين ليشملك هذا الوعد العظيم
نسأل الله أن يثبتنا على الايمان وينصرنا وهو خير ناصر ومعين
25- شهر رمضان 1443
https://telegram.me/buratha