( اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ) سورة الانبياء الاية 1
من رحمة الله عز وجلّ أن يألف قلب الوالدين على وليدهم فيرعونه صغيرا ً ضعيفا ً حتى ينمو بدنيا ً ويتطورعقليا ً، وعند باكورة هذا التطور تعترضه محطة التكليف حاملة اليه رسالة من خالقه فحواها غاية خلقه في هذه الحياة ( وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون ).
العبودية هي المحور الذي تدور حوله كل مفاصل حياة الانسان ، وهي الغاية التي تحتاج الى وسيلة لتنفيذها على اكمل وجه وقد من الله على الإنسان اذ اغدق عليه بالنعم والإدوات من اجل توظيفها لتحقيق مبتغاه .
وبدأت رحلة الإنسان منطلقة من خط التكليف ، وبقوة محركة تمثلت في قلبه وعقله لادراك ذاك الهدف ، وعلى جانبي دربه تدلت النعم المُعينة له ، بدت الخطوات الاولى واثقة وحازمة ومستذكرة للمقصد الذي تتجه اليه ، ومع مرور الوقت يتسع النظر في تامل النعم ويشتهيها القلب ويرغب بها بقصد الإمتلاك لا الإعانة ويشغل القلب العقل بتلك الرغبات ويضغط عليه لتنفيذها فيمتثل له احياناً .
وبذلك يشوب الرحلة مكث هنا ومكث هناك للإستمتاع بالنعمة المقرون بضياع الوقت والتاخر عن المقصد وقد يقرر الإنسان حمل بعض النعم على ظهره فيضيف الى هدر الوقت تباطؤ الخطوات فإن استدرك وانتبه خفف حمله واستذكر غايته وسارع في خطواته غير ان النفس تعاود الحاحها في الطلب فيستجيب العقل وتتباطؤ الخطوات ثانية فيتولد في قبال التذكر غفلة وينشأ صراع بينهما طيلة مدة الطريق .
وإن ثبطت روح المقاومة لدى الإنسان استحوذت الغفلة اركان عقله وحصرت ذكر الحقيقة في زاوية مظلمة واطلقت العنان للنفس في تحقيق رغباتها وحينها ستقع فريسة سهلة لقاطع طريق اسمه الشيطان والذي ان استحوذ عليها تاهت وفقدت بوصلتها ، فالغفلة مصطاد الشيطان كما ورد في الحديث .
وللغفلة منازل فإن بلغت منازلها العليا ، قسى القلب ( من غلبت عليه الغفلة مات قلبه ) وعُمي بصيرته ( دوام الغفلة يعمي البصيرة ) وبهذا لن يكون إنساناً سويا ً بل معاقا ً ذهنيا ً يصعب عليه التمييز واكمال الخطى .
همتّي عالية في بلوغ الهدف ، إذن فلإحفظ الوجهة بجعلها مصباحا ً في عقلي ينير مساحة كبيرة ويسلط الضوء على منابت الغفلة فأقتلعها بذكر الموت فرحلتي محدودة الزمن ومطلة على باب الاخرة ويمنع في عبور تلك الباب اصطحاب شيء ما خلا السعي في تلك الرحلة .
الغفلة هي آلافة التي يُخشى على حصادنا منها خاصة في ثقافتنا المعاصرة التي جعلت من دفع الهم والحزن والخوف بعيدا ُ عن قلوبنا هدفاً واحلت مكانها اللامبالاة والتي هي تربة خصبة لترعرع تلك الآفة .
ليرافقني شيء من الخوف والحزن في رحلتي يذكراني بأني في خطر من فتك تلك الافة ولاتخذ من المفاهيم السامية سلاحا ً ضد رغبات النفس التي لاتشبع ولتملأ اليقظة وجودي في تلك الرحلة .
اللهم لا تمت قلوبنا يوم تموت القلوب
اللهم لا تكتبنا من الغافلين
19- شهر رمضان -1443 هـ
https://telegram.me/buratha