(...... إنّي أخافُ الله َ ربّ العالمين ) سورة المائدة الاية 28
الخوف هو شعور إنساني فطري يُتوقع فيه حدوث مكروه عن ظن أو يقين ويُشكل مع باقي المشاعر والاحاسيس الصورة المعنوية للإنسان والتي تلازم صورته المادية ، إن الخوف هو كسائر المشاعر( قوى نفسانية أوملكة) ممكن ان يكون نتاجها حسن أو قبيح ، فإن كان زمام امرها بيد العقل وفي اطار التشريع بات نتاجها حسن ويمكن توظيفها في خدمة الإنسان لدفع ضرر أو لجلب منفعة .
وعلى الرغم من أن الخوف يمتلك مساحة كبيرة في النفس الانسانية في قبال الملكات الاخرى الا انه أُعتبر من قبل اغلب علماء النفس نقطة ضعف لابد للانسان التخلص منها كذا الحال بالنسبة للحزن الا ان علة وجوده في الذات الانسانية لابد ان يكون له غاية وحاشى لله أن يوجد في الانسان مالا ينفعه .
إن رأي علماء النفس لايخلو من صواب فحينما يسيطر الخوف على المفصل السلوكي للانسان ويجعله غير قادر على الاقدام من مخاوف قد تكون كما اسلفنا ظنية أو حتى وإن كانت يقينية يجعل منه انساناً محبطا ً ، فلحظة الخوف لا تمر الا بقرار فأما المقاومة واما الإستسلام لذلك الشعور ، ولهذا السبب اصطبغ الخوف بصبغة سلبية ، غير انه يميل للايجابية حينما يكون الخوف خوفا ً من عقاب أو اثر مترتب فحينما نخاف من الامتحان فإننا نخاف العاقبة لا اصل الامتحان كذا الحال في علاقتنا بالامتحان الاكبر في حياتنا والذي أعد الله له يوماً للحساب فالعقل الراجح لابد له من استعمال الخوف كدافع له للفوز بذلك الامتحان وإن كان الخوف بحد ذاته اضطراب .
لاتخلو الدنيا من ثنائيات تحقق بمجموعها هدفا ً كالفعل ورد الفعل فانقباض وانبساط عضلة القلب هي ما تجعل حياة البدن مستمرة كذلك الحال بالنسبة للخوف فهذا الاضطراب الروحي اذا ما تلازم مع سكينة الرجاء شكلا جناحا طائر قادر على نقل الانسان الى آفاق رحبة في سماء رحلته التكاملية .
في علاقتنا مع الله عز وجل لو اتكلنا فيها على الخوف المجرد قد يجرنا معاذ الله الى اليأس من روحه ولو اتكلنا على الرجاء المجرد قادنا للتسويف والتقصير لذا فاستثمارمزدوج الشعورين معا ً يحققان نتائج مذهلة وهذه النتيجة قدمها لنا أهل لبيت عليهم السلام في احاديثهم الكثيرة في هذا المنحى فقد ورد عن الامام الصادق عليه السلام ( خف الله خيفة لو جئته ببر الثقلين لعذبك وارج الله رجاء لو جئته بذنوب الثقلين لرحمك )
والخوف رادع ضد الشيطان فهذا الشعور يغلق النوافذ التي يمكن للشيطان اختراقها للوسوسة فحين تخاف ارتكاب الذنب لن تستجيب لتلك الوسوسة مخافة العقاب الذي ينتظرك بعد لذة مؤقتة فعن الامام الباقر ع ( تحرز من ابليس بالخوف الصادق ) ، لقد تبين ان هذه المساحة الكبيرة لذلك الشعور تتناسب وحجم التوظيف الذي يمكن ان تنتج منه اثار دنيوية واخروية .
ان تخاف من العقاب سبب كافي لتوطيد العلاقة مع الله عز وجل وتخريبها مع الشيطان ولكن لو كان السبب هو الخوف من السقوط في عين الله ، الا يكون الشعور مختلفا ً ممزوجا ً بالحب والخشية .
اللهم اجعلنا نخشاك كأننا نراك
7/ شهر رمضان /1443 هــــ
https://telegram.me/buratha