المقالات

الخيمة


ثامر الحجامي

إعتادت العرب أن تسكن في خيام، بسبب طبيعة حياتهم المتنقلة، لذلك كانوا حريصين على اقتناء أفضلها، من التي تمتاز بالمتانة وقوة الحبال وجودة الأعمدة، وكانت خيمة شيخ العشيرة من أفضل الخيم وأبرزها، فهي المكان الذي يجمعهم ومصدر قرارهم، ومركز قوتهم الذي يدافعون عنه إذا ما تعرضوا الى غزوات.

كذلك بعض البشر؛ هم خيمة على أهلهم، مركز قوتهم ومصدر قرارهم، والبيت الكبير الذي يجمعهم، يسعون الى الخير ووحدة الكلمة ولم الشمل، والسيف الذي يدافع عنهم اذا ما تعرضوا الى الغزوات، والرأي السديد الذي يشير عليهم عند إختلاف الآراء، والحكمة في القرار حين تشتد الأزمات، وتلك مواصفات القادة الأفذاذ الذين نقشوا أسمائهم بأحرف من نور ومداد من دماء.

من أولئك الأفذاذ الذين كان لهم دور فاعل في الواقع السياسي والاجتماعي العراقي، وخط له مسيرة مهمة في سير الأحداث التاريخية في العراق الحديث هو السيد عبد العزيز نجل السيد محسن الحكيم، وكان له دور مفصيلي في الحياة السياسية العراقية وصاحب القرار الأبرز من عام 2003 حتى وفاته عام 2009، فضلا عن أدواره الكبيرة منذ سبعينيات القرن الماضي، وترك غيابه شرخا كبيرا في شكل العملية السياسية التي تغيرت معالمها بعد غيابه، وما زلنا نعيش تداعياتها حتى يومنا هذا.

فالسيد عبد العزيز الحكيم عاش في بيت المرجع السيد محسن الحكيم، صاحب المواقف السياسية والاجتماعية البارزة، وعاصر القضايا الكبرى في العراق والبلدان العربية، والتحولات السياسية التي حدثت فيها، فأثرت في معرفته واسلوب تعامله مع الأحداث، وكان من الشخصيات البارزة التي تصدت لنظام البعث الفاشي برفقة اخيه السيد محمد باقر الحكيم وأستاذه السيد محمد باقر الصدر، ذلك التصدي الذي حتم عليه أن يهاجر العراق ويعيش في بلاد الغربة، ويجاهد من أجل تحرير العراق من سلطة نظام إستبدادي، أهلك الحرث والنسل.

لكن الدور الأبرز والواضح في مسيرة السيد الحكيم، هو بعد سقوط النظام الفاشي عام 2003 وإحتلال العراق من قبل القوات الدولية، حيث كان حريصا على إستعادة سيادة العراق وإدارته من قبل العراقيين، وبذل جهودا كبيرة في إخراج العراق من طائلة البند السابع، وإقامة حكومة منتخبة تتولى أدارة شؤون العراق بعيدا عن الوصاية الدولية، والسعي الى تدريب وتهيئة القوات الأمنية وتمكينها من إدارة الملف الامني، وعقد اتفاقية أمنية تمهد لخروج القوات المحتلة، ومن أجل ذلك تنقل في رحلات مكوكية بين الولايات المتحدة وبريطانيا أكثر من مرة.

كان المظلة الكبيرة التي تجتمع تحتها القوى العراقية، وميزان العلاقة بين مختلف المكونات السياسية في العراق، يستند في ذلك الى علاقته الشخصية مع أبرز قادة المكونات الأخرى سواء الكردية أو السنية منها.. أما على المستوى الشيعي فكان السيد الحكيم هو الخيمة التي تجتمع فيها كافة القوى الشيعية ومركز قرارها، على الرغم من إختلاف رغباتها وطموحاتها على الصعيد السياسي ومستوى التمثيل الحكومي، فكان بحق مشروع الوحدة الذي جمع العراقيين، وأطفأ نارا كادت تحرق الاخضر واليابس بعد أحداث الفتنة الطائفية عام 2006.

لا يمكن أن نختصر مسيرة السيد الحكيم لكنه كان الزعيم الذي سخر السياسة في خدمة الوطن، والخيمة المتماسكة ذات الحبال القوية والأوتاد الصلبة المغروسة في أرض العراق، لم يساوم أو يهرول خلف منصب أو مكسب شخصي، بل كان صوت العراق ونبض الشعب والمعبر عن تطلعاته وطموحاته، ومركزا لقرار الوحدة ولم الشمل، ورمزا للإيثار والتواضع ونكران الذات.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك