(وَٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ فِينَا لَنَهۡدِيَنَّهُمۡ سُبُلَنَاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ ) سورة العنكبوت الاية 69
إن من أقسى الحقائق التي لابد للانسان مواجهتها بشجاعة هي ان نفسه التي بين جنبيه هي من أقرب الابتلاءات اليه وأشدها تعقيدا ًواصعبها تشخصياً ، وكيف لا ؟ ونفسك لا تفارقك مدى حياتك وهي ممتزجة بلحمك ودمك متقلبة المزاج وان سيطرت عليها ! ففي لحظة هي قادرة على الانقلاب فلا يُكتفى بتطويعها بل لابد من مداومة التوجيه بالمراقبة الشديدة . فهل أنا عدو نفسي ونفسي عدوتي ؟!!!!!.
يالها من حقيقة قاسية يصعب قبولها ، فهل خليت الساحة من الاعداء لتكون نفسي لي عدوة ؟! فالشيطان قد توعدنا من قبل أن نهبط الى الارض بأن يغوينا ويشاركنا الاموال والاولاد ويوسوس في صدورنا كعدو خارجي غير مرئي ومن جانب اخر العداوات المتحققة مع بني البشر ازاء التصارع والتناحر على الدنيا الفانية ! فهل وجدنا الله عز وجل أهلا لتحمل كل ذلك ؟
إن الله تعالى لم يجدنا اهلا بل اوجد فينا كل الاستعدادات لمواجهة جميع اطراف العداء بما فيها النفس الانسانية ، فلقد وصف كيد الشيطان بانه ضعيف فكيف يكون ضعيفا ً وهو الموسوس المشارك الغاوي المتربص بنا شرا ً ؟!
إن العداوات الخارجية بحاجة الى منفذ كي تهد الصرح الانساني البديع الذي خلقه الله تعالى في دواخلنا وهو الاعلم بقدراته فحاشى لله أن يسلم عبده للشيطان ويرضى بإن يكون سببا ً في سقوطنا في درك الجحيم مالم يوجد فينا الحصانة ويجعل الامر ابتلاءا ً وتمحيصا ً لايماننا .
أن عبر العدو المنفذ وحقق تحالفا مع النفس فيعدها بمسرح تطلق فيه كل عنان لهوى أو لرغبة او ولشهوة وستقبل نفوسنا هذا العرض بكل سذاجة ولاتلتفت ابدا انها خطوة تمهيدية وضعها العدو لبلوغ درجة الاستحواذ وحينها تصبح النفس مؤتمرة وآمرة بالسوء .
نفسنا كطفل غير مدرك له القابلية على التفاعل لكنه لايملك حق القرار لذاته ، لذا لابد من ولاية عقلية تشرف بكل وجودها على تلك النفس التي تحتوي على قوى الوهم والغضب والشهوة المهمة جدا للانسان ولايمكن ان يستغني عنها مطلقا ً ولانها سلاح ذو حدين ممكن ان تكون منشأ للملاكات الحسنة وفي ذات الوقت منشأ للملاكات القبيحة كان لابد من السيطرة عليه بعقل مستند الى قوانين تشريعية يوجهها بها لتعطي خيرها في مواطن الخير وتمنع في مواطن الشر وبهذا تكون المنافذ أمنة والنفس مستقرة غير مشغولة بالوعود الخارجية ولا ممسكة بحق القرار الداخلي .
حينذاك تشرق الانوار من المنافذ الالهية بعد ان هُيئت الارضية لاستقبالها بالجهاد والسعي الحثيث ولطيف ان تُختم الاية باعلان المولى عز وجل انه مع المحسنين فالاحسان الذي اشرنا اليه في الحلقة الاولى قد تحقق حينما سعى العبد بوسعة وسُميت جهادا ً وحين تُقدم لصاحب القدرة ما يفوق تكلفيك حينها تكون محسنا ً ويرد أحسانه لك بالمعية والسند والعون !!
ألا من لنفس في الهوى قد تمادت إذا قلت قد مالت عن الجهل عادت !
وحسب ُ امرىء شرا ً بإهمال نفسه وإ مكانها من كل شي ارادت
المهندسة بغداد
5 / شهر رمضان/ 1443
https://telegram.me/buratha