مرتضى مجيد الزبيدي ||
ما بين عمر كاتب حديث وبين منجم عطاء، الكثير من المفارقات، فكيف لفتى صغير مستجد على الكتابة، ان يكتب عن هذا المنجم المليء بالكنوز؟ يا ترى هل الوصف يلائم ويفي، ام الكتابة الموضوعية؟ ام الاجدر ذكر القصص والمواقف؟
وانطلاقا من طريقة القرآن الكريم ((نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ هَٰذَا ٱلْقُرْءَانَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِۦ لَمِنَ ٱلْغَٰفِلِينَ)) سنبدأ بقصة،
قصة منجم عطاء متنقل، على هيئة رجل ملأ الشيب رأسه، لا يكاد يمل من تقديم كل ما لديه للمجتمع، وبكل تواضع، انه جمال المعروف ب (ابو مهدي المهندس)،
وصلت عجلته ذات مره (كيا سورنتو) الى مجلس عزاء والد صديق له، وكنت من بين المستقبلين، ترجل من العجلة مع شخصين دون اي حماية، على خلاف ما اعتدنا عليه من القادة العسكريين، وكان ذلك في عام 2017، اي مع ايام انتصارات قوات الحشد، جلس في العزاء، وما ان انتهى من قراءة سورة الفاتحة، حتى انه لم يجلس لدقيقة، بسبب زحمة الحاضرين، ورغبتهم بان يسلموا عليه ويلتقطوا معه الصور، بقي حوالي نصف ساعة، دون جلوس، وعند خروجه، تزاحم عليه الحاضرون، حتى انني تدخلت لأساعده بالخروج، توقعت انه منزعج من العالم، فقد سببوا له احراج ومضايقة، ترجلت معه الى السيارة، فكان على ابتسامته المعتادة، غير منزعج ولا متذمر، بل صبور مبتسم متواضع، ركب العجلة المدنية وودعني ورحل، وبقيت ابتسامته عالقة في ذهني الى الأن...
اما موضوعيا، فقاعدة نسبت للإمام علي عليه السلام، هي اذا اردت ان تعرف الحق، فتتبع سهام الباطل، ودول الاستكبار اللاانسانية، الصانعة للإرهاب والداعمة له بعلانية ووضوح، اغتالته في وقت كان هو قائد اقوى قوة سيادية، حافظت على وجود الوطن والبشرية، ويشهد لذلك القاصي والداني، والفضل ما شهدت به الأعداء، لكن سهام الباطل استهدفت قادة الحق وابطاله، ولا نقف بالحياد، فإننا ان لم ننصر الباطل قد نخذل الحق، ولكن لندور في حلقة موضوعية، كلنا يعرف ان اميركا لا تحب ولا تريد السلام للعراق، بل هي تعتاش على خلق الأزمات والنزاعات، في مختلف الدول والعراق خاصة، وكما الجميع يعلم ان دول الاستعمار لا تود لنا الخير ابدا، وباعترافها احيانا انها تدعم الارهاب وترعاه، فهل بقتل قائد كافح الارهاب واذاق عصابات الظلام طعم الهزيمة وارعب من يقف وراءهم مصلحة لنا؟ واي مصلحة؟ هل حتى تبقى ارض العراق مستباحة؟ ام حتى يكف عن تقديم الحلول في الازمات، كأزمة السيول وشحة المياه، وخدمة النازحين؟ فبذلك الاستهداف مصلحة بالقضاء على الرأس المدبر، والقائد الحكيم الشجاع، حيث انها حسبت بتلك الضربة ستنهي وجود الحشد اولا، وتقصم ظهر العراق ورجاله الشجعان من كل الطوائف، لكنها كسابق تخطيطها تفشل.. وتفشل مجددا.
ومن الناحية الوصفية فلا كلام فوق كلام العلماء والحكماء، وقد عزت جميع المراجع والعلماء والدول المحترمة باستشهادهم، ونعتهم جميع الحوزات والعشائر، فهل لوصف ان يفوق وصف المرجعية الدينية العليا المتمثلة بسماحة السيد علي الحسيني السيستاني المعروف بالحكمة والموضوعية وعدم المجاملة عندما عبر عنهم ( قادة النصر )؟ وقد يقصد بالنصر هنا بكل شيء، وليس عسكريا فقط، فالراحل خدم بجميع الاصعدة والمجالات، تفانيا بحب وطنه، مترفعا عن التفكير العرقي والطائفي، رحال بين ثكنة واخرى، وبين عمل وأخر، ومن خدمة الى عطاء، متفانٍ متواضع، حمل هوية الوطن، وعاش كالماء يتفرع ليحيّ الأرض، ولم يكتف بان يكون منجم عطاء ثابت بل رحالا متنقل.