المقالات

تربية اليتيم..


  محمد مكي آل عيسى ||   جاءتنا للمؤسسة إحدى الأرامل اليوم ومعها ولدها البالغ ربيعه الحادي عشر تقريباً وفقت هي خلف الباب وأرسلت ولدها . .  لطيف ، بشوش ، الابتسامة تملأ وجهه ، محبوب جداً . سلّم عليَّ . . . رددت السلام بمحبة  سألته : ما اسمك  رد عليَّ : رضا . . سألته عن مدرسته ودرجاته وهو يجيب ، شجّعته على بذل المزيد من الجهود ، وكان في جيبي قطع من الحلوى أعطيته واحدة له وواحدة لمن معه ، ذهب لها ، ثم عاد لي مرّة أخرى وقال لي عندي قصيدة. هنا تحمّست أنا للأمر كثيراً وقبل أن يشرع بإلقائها استوقفته طالباً منه أن يقف في منتصف الغرفة منتصب القامة مرفوع الرأس عالي الصوت وهو يلقي قصيدته. وهنا كانت المفاجأة . .  مع أنها كانت قصيدة جميلة من الشعر الشعبي الذّي أحبه لكن مضمونها كان يتحدّث عن يتيم منكسر لا يقوى النهوض التمّت عليه مصائب الدنيا ولا معين له . كان المسكين يلقيها وابتسامته المحبوبة لا تفارق وجهه البريء يلقيها بلا مشاعر . .  لم يكن متألّماً متأثراً . . لم يستطع أن يمثّل ما تمليه ألفاظ القصيدة . . هو في عالم ، ومضمون القصيدة في عالم آخر . . لاحظت أن أمّه تشير له تبعث له التوجيهات وهي تتوارى خلف باب الغرفة . لم أكن مرتاحاً لما يجري أبداً . .  أنهى القصيدة ، وطلبت منه أن يقترب منّي كي أتحدّث معه . . لم يكن الوقت كافياً . . وأمّه يبدو عليها الحرص الشديد بسماع كل ما سأقوله له ..  حاولت ان أختصر فقلت له : يا حبيبي إن ظرف اليتم وإن كان مؤلماً فإنه بعين الله ومع كل ما يحمل من القسوة فبتوفيق الله وجهودك سيكون لك مستقبل مشرق زاهر . . مرَّ نبينا محمد (ص) بظرف اليتم وهو صغير لكن هذا الظرف لم يمنعه أن يكون نبياً رسولاً وقائداً شجاعاً وغيره من الأنبياء والأولياء . . ظرف اليتم ليس عائقاً بل أنه يصنع منك رجلا على صغر سنك تتحمل المسؤولية وانت بهذا العمر . . هذا الظرف يعطيك قوّة لا يحصل عليها كل أحد. ثم أهديته من المؤسسة مجموعة من مجلات وكتب الناشئة التي تتحدث عن سيرة رسول الله (ص) والأئمة الطاهرين (ع) وأخرى في مواضيع فنية وعلمية.  وخرج مغادراً ذكّرني هذا الموقف بموقف مشابه حينما زرت برفقة وفد من المؤسسة مدرسة ابتدائية خاصّة بالأيتام وسألت الأطفال الأيتام المجتمعين : لماذا نحن نزوركم اليوم ؟؟ كانت الإجابات : لأننا أيتام ، لأننا محتاجون ، لأنكم تقدمون المساعدات لنا ، تجلبون لنا الهدايا لأننا أيتام  ومع كل إجابة لهم كنت أجيبهم وأنا أظهر الرفض والاستياء والانزعاج : لا ليس لهذا . .   أحسست وكأنهم اتكلوا على ظرف اليتم ليستعطفوا الآخرين ويستدرّون عواطفهم . . . وكأن اليتم أصبح ذريعة تسوّغ لهم الاتكال على الآخرين والطلب منهم . . ويبدو أن هذا ما زرعه فيهم المجتمع بتربية مغلوطة قلت لهم لا أنتم مخطئون . . نحن أتينا لنرى ما ستقدمونه أنتم لنا . . ما هو عطاؤكم . . من لديه رسم جميل ؟ . . من يحفظ شيئاً من القرآن ؟. . من يستطيع أن يكتب قصة قصيرة ؟؟ من يجيد لعب كرة القدم أو رياضة أخرى ؟؟ من يجيد التمثيل ؟؟ نحن جئنا لنرى عطاءكم لنا !! ومع أني كنت أعارض إجابتهم باستياء لكنني أحسست أن روح الحماسة دبّت فيهم وتغيرت وجوههم من انكسار الطلب إلى عزّة العطاء وأصبح كل منهم يفكّر ماذا سيعطينا !!  وكأنهم كانوا قد فقدوا انفسهم وعادوا يبحثون عنها ليجدوها . . سرور الأمل . . بهجة العزّة . . فرحة العطاء قرأتها في وجوههم. بلدنا عانى ولايزال من وجود عدد غير قليل من هذه الشريحة الّتي تحتاج لدمجها في المجتمع لا عزلها عنه . . فئة تحتاج أن تفهم ظرفها الصعب أنه وسيلة لتمكينهم من عطاء أكبر ليس حق اليتيم علينا أن نغرقه بالعطاء إغراقاً سلبياً ، بل من حقه علينا أن نخلق منه إنساناً فاعلاً إيجابياً يتغلب على ظرفه فيتحول من مقهور منكسر إلى شجاع مقدام عالي الهمّة يتحول من سائل الى معطي ومن محتاج إلى غني. الثقافة السليمة والوعي والرشد كثيراً ما تكون أهم وأغلى من المال بكثير .
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك