المقالات

الخطاب الإلهي وحرية التعبير

1884 2021-11-22

 

د.أمل الأسدي ||

 

ترتكُز العمليةُ التواصليةُ علی  ثلاثةِ عناصرٍ: المرسِل، المرسَل إليه، الرسالة، وحين نبحثُ عن خطابٍ تواصليٍّ أمثل، أو نبحثُ عن الصورةِ المثلی لحريةِ التعبيرِ عن الأفكارِ والرؤی والمشاعرِ، سنجدُها في الخطابِ الإلهيِّ القرآنيِّ، أو بصورةٍ أدقٍّ نجدُها في الحوارِ القرآنيّ بين اللهِ تعالی والأنبياء، ونجدُها في خطابِ الرسولِ الأعظمِ وأهلِ بيتهِ (صلوات الله عليهم) فكلامهم دونَ كلامِ الخالقِ وفوقَ كلامِ المخلوقينَ، ولو أنعمنا النظرَ في الخطابِ الإلهيِّ(الحوار) المباشرِ أو غيرِ المباشرِ ستتجلی لنا حريةُ التعبيرِ، والاستيعابُ المطلقُ بالشكلِ الذي يهذِّبُ  الإنسانَ ويربّيهُ ويروّضهُ علی تقبّلِ الآخرِ والإصغاءِ إليهِ .

🔴الأنموذج الأول:حوار الله تعالی مع الملائكة:

حوارُ اللهِ تعالی مع الملائكةِ حينَ خلقَ آدمَ(عليه السلام)  وأمرهم بالسجودِ لهُ،ومع أن الأمرَ صادرٌ من الأعلی إلی الأدنی إلاّ أن ربَّ العزةِ والجلالةِ سمحَ للملائكةِ بالحوارِ وطرحِ الأسئلةِ والاستفهامِ والتعبيرِ عن رؤاهم علی أتمِّ وجهٍ كما في قولهِ تعالی:(( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ۞وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ۞ قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ۞قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ ۖ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ ۞وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ)) سورة البقرة ، الآيات:٣٠ -٣٤

ويمكنُنا تصورَ  المشهدِ عن طريقِ تكرارِ الفعلِ (قال) بصيغهِ المختلفةِ في هذه الآيات، فهو مشهدٌ حواريٌّ غيرُ مقيّدٍ، فعلی الرغمِ من أنّ ابتداءَ الرسالةِ  أو الخطابِ،كانَ من الباري عزَّ جلَّ وبسياقٍ ثابتٍ ومؤكَّدٍ بقولهِ:(إني جاعلٌ..) إلاّ أنَّ الملائكةَ اعترضوا وأبدوا رأيهم مستفهمينَ ومفترضينَ  بقولهم(أخلقت فيها  من يفسدُ فيها ويسفك الدماء؟!)

ولم يكتفوا بذلك ؛بل اعتدّوا بأنفسِهم قائلينَ:( ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك) ومع حوارِهم هذا استمعَ  جلّ جلالُه لهم، وبيّن لهم  حقيقةَ الأمرِ الذي كانَ غائبًا عنهم،وقدّمَ لهم الحجةَ علی ذلك حين( علم آدام  الأسماء  كلها) بينما هم لم يكن لهم علمٌ بها، ألا وهي أسماءُ الأنوارِ المحمديةِ(فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها)

وداوم الحوارَ مع الملائكةِ حتی اقتنعوا وسجدوا وأطاعوا، بينما رفضَ إبليسُ الاستجابةَ  حتی بعد البينةِ، ومع ذلك أتاحَ لهُ الباري الفرصةَ للحوارِ والتعبيرِ عن موقفهِ،بل وأمهلهُ حتی قيامِ الساعةِ!!

((قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ۞ قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ ۞قَالَ أَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ۞ قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ ۞ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ۞ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ  ۞  قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَّدْحُورًا ۖ لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ ))

سورة الأعراف،الآيات:١٢ -١٨

فعلی الرغم من إصرارِ إبليس علی موقفهِ وعنادهِ وجدالهِ إلاّ أنه تعالی سمحَ له بالحوارِ  وعاملهُ بحِلمٍ شديدٍ، امتدَّ هذا الحِلمُ الی هذه اللحظةِ!!

 

التتمة في الجزء الثاني

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك