د.أمل الأسدي ||
حديثنا اليوم عن الرواية، تعالوا يا أحبتي، لنبين بعض المصطلحات:
س/من هو الروائي؟
ج/ الروائي هو الشخص الذي يؤلف الحكاية، يقصها أو يكتبها،ويشكلها كيف يشاء، فهو الكائن البشري الذي يعبِّر ويكتب.
س/ من هو الراوي العليم إذن؟
الرواي : هو الكائن الورقي، الفني ، الذي يتحكم بكل مجريات الأحداث،ويعرف كل ما يدور، فهو يدرك إحساسات الأبطال( الشخصيات) وتفكيرهم وأداءهم ومستقبلهم وماضيهم وحاضرهم!
س/ ما مدخلية ( أمريكا) في هذه الموضوع؟
ج/ إن الذي يحرك الأرض وأحداثها هو الروائي،ذلك الكائن البشري، أو المؤسسة البشرية.
فمنذ خَلْق ( آدم ) عليه السلام، واستفهام الملائكة، واستجابتهم لما بيّنه الله تعالى لهم، ومنذ إصرار( إبليس) على عدم السجود لآدم، وتوعده لبني البشر، نشأ على أثر ذلك خطان، الأول: يمثل الحق، والآخر يمثل الباطل! وسيظل الخطان في صراع حتى نهاية الحياة!!
الآن، خط الباطل= ( الماورائية الشيطانية) =( الروائي) الكائن البشري الذي يكتب ويتصور الأحداث كما يريد، ويخلق اللوازم التي يحتاجها في كل رواياته، ويضع النهاية التي ترضيه دائما.
أما ( أمريكا) فهي ذلك ( الراوي العليم) أي هي الأداة الفنية التي تعيش داخل الرواية، هي الصوت الذي يدير الحكاية، مخلوق ورقي، يعلم كل مجريات الأحداث ؛لذا يسمى بالراوي العليم!!
فالراوي العليم : يمكنه معرفة كل الأدوار، وكل الشخصيات مكشوفة أمامه، بتفكيرها، بسلوكها، بكل ما تحبه وتكرهه، وهو يستطيع أن يملي على شخصياته مايريد،ويحركها بأي اتجاه يريده، ويصعِّد الأحداث الى ذروتها، ثم يبدأ بحلحلتها متى ما شاء!!
إن الراوي العليم( امريكا) وسيلة فنية داخل أحداث روايات ( الأرض) التي نعيشها، وهذا الراوي حلقة وصل،وأداة لتنفيذ رؤية الروائي( الماورائية الشيطانية).
س/ امريكا وبششوصفها الراوي العليم هل أمرها نافذ على شخصيات الكرة الأرضية جميعها؟
ج/ نعم، هي الراوي العليم، الذي يوظف كل شيء لأجل مصلحته، وما الشخصيات الموجودة في ( الأرض ) إلا أدوات لها!!
س/ هل هناك من يخالف رغبتها؟
ج/
نعم، هناك من يكسر القيود المفروضة عليه، يريد ان يكون قائدا لنفسه،أو يريد ان يكون قائدا يقود قومه أو أمته لتحقيق الرفاهية والعيش الرغيد،لتحقيق الكرامة والتحرر!
وفي هذه الحالة، لابد للراوي( أمريكا) ان يتصرف!! فيجب إنهاء دور هذه الشخصية، فالقيادة تعيق عمل( الراوي) وتعرقل سير الأحداث، إذن لابد من خلق أحداث كثيرة ، ووضع عقد جديدة تعيق خروج هذه الشخصيات عن مسارها!! فـ( امريكا) لاتريد ان تكون الا راويا عليما ،لايشاركه أحد في تسيير الأحداث!
س/أمريكا حديثة الوجود، كيف كانت ( الماورائية الشيطانية تعمل قبلها؟
ج/( الماورائية الشيطانية) هي الروائي، مؤسسة بشرية، تخطط، وترسم، وتضع النتائج!
والراوي: هو كائن ورقي، يخلقه الروائي ليجسد عمله ، فقبل( امريكا) كان هناك رواة كثر، ينفذون ما يريده منهم الروائي، كـ( بريطانية،الدولة العثمانية،الدولة العباسية،الدولة الأموية، حزب ابي سفيان، علماء بني اسرائيل الذين أفتوا بقتل عيسى، فرعون موسى،النمرود...الخ).
س/ إذن (الروائي)يمثل خط الشيطان، ( والراوي العليم ، امريكا) أداته! فأين ممثلية الخط الأول( الحق)؟ والى متى يظل الروائي والراوي العليم يعبث بمصائر البشر؟
ج/ مابين( الروائي= الماورائية الشيطانية) و ( الراوي العليم= أمريكا) تبرز معادلة ( البغتة)، فخط الشيطان يكتب ،ويرسم الحدود التي تضمن تحقق نظريته :((قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ۞ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ )) سورة الأعراف:الآيتان:١٦، ١٧
و( الراوي العليم= أمريكا) تعرف كل ما يدور ،وتتحكم بالشخصيات والأحداث،وتضع النهايات التي ترديها،والتي يريدها منها الروائي!
وهم منشغلون في هذه الراوية،ينتهي حدث ،يبدا غيره!!
يزيلون شخصية ويظهرون غيرها!!
تتمرد شخصية فيُرفع دورها!!
إذن، هم يظنون أن زمام الأمور بأيديهم!! فيد الله المغلولة بنظرهم، قد غُلت عن الحركة ايضا!!
وكل شيء متاح لهم ومباح!
هنا تظهر (معادلة البغتة) فتقنية الخط الأول( الحق) أن يباغت الروائي ويقطع يده التي تكتب الأحداث المأساوية للبشر!!
أما أمريكا فهي أداة ورقية خلقتها الماورائية الشيطانية، وهي التي تمدها بالفعلية،ومع زوال المؤثر،يحترق هذا الكائن الورقي، فينتهي عهد خلق الأحداث وإشعالها، ينتهي التحكم بالشخصيات ، تختفي مع أمريكا كل الأدوات الورقية ، وكل الأدوار التي خلقتها.
إن ( البغتة) خط الحق ، ووسيلته التي ستغير المعادلة!!
ليموت الروائي ويختفي الراوي وتنتهي الرواية،
وتظهر الحقيقة، فهذه حياة مزيفة، مليئة بالفساد وسفك الدماء،ولا تتلاءم مع خلق الله للإنسان( الخليفة)!!
فـ( البغتة) قادمة لا محالة!!
س/ وهل كان لمعادلة ( البغتة) حضور بإزاء النماذج الباطلة في السابق؟
ج/ نعم،ومن أمثلة حضور ( البغتة) وعنصر المفاجأة ، إنقاذ نبي الله ( إبراهيم) من حكم النمرود بالحرق، فمن يتوقع أن تكون النار الحارقة بردًا وسلامًا على ( إبراهيم)؟ فمعادلة البغتة ، أذهلت الظالمين وأوقفت دور الراوي( النمرود) المتحكم بالحدث ومجرياته.
ومثال آخر على حضور(البغتة) قصة نبي الله ( موسى) حين أتبعه فرعون وجنوده ،واستيأس قوم موسى،وقالوا: إنا لمدركون!!!
فقال موسى(ع) : كلا، إن معي ربي!!
فمن كان يتوقع أن ينفلق البحر ،فيكون كل فرق كالطود العظيم؟!! فنجا موسى وقومه، وأُغرق الراوي العليم( فرعون)،وتغيرت المعادلة بالبغتة.
ومن الأمثلة الأخرى: اجتماع الأحزاب على رسول الله الأعظم( صلى الله عليه وآله) في معركة الخندق، إذ حوصر المسلمون في المدينة، وأوشكت الأحزاب على الظفر برسول الله والنيل من المسلمين، وهنا ظهرت ( البغتة) بضربة تعادل عبادة الثقلين، بخروج الإيمان كله الى الشرك كله،وكفى الله المؤمنين القتال بـ( علي بن أبي طالب ) عليه السلام.
س/ إذن البغتة حاضرة وموجودة،ما الذي يؤدي الى اختفائها وترك الساحة للـ( الروائي والراوي العليم)؟
ج/ ( البغتة) تمثل خط( الحق) وهيمنة الحق تقوم على قانون( الاستدراج) واستيفاء العمل بكل أبعاده (( وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ)) سورة الأعراف،الآية: ١٨٢
وهذا يعني أن الجميع في محل اختبار قائم على ما يقدمونه من أعمال، فرُبّ زيادةٍ في المال والولد والخيرات لاتعود بشيء سوى الآثام (( وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ ۚ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا ۚ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ))
سورة آل عمران،الآية:١٧٨.
إن الحق يريد أن يحقق أكثر نسبة من الاستتابة والإنابة،فلايريد للعباد أن يهلكوا بما قدمت أيديهم، فهو على قدر شدة عقابه وبغتته،هو أرحم الراحمين، وهو المحبة المطلقة،والكرم المطلق؛لذا أتاح كل هذه الفرص للعباد كي ينجوا.
إن (المهيمِن المباغِت) هو الذي يحدد ساعة الصفر ،التي تدك أعناق المتجبرين الذين عاثوا في الأرض فسادا،هم ومن خلفهم (الماورائية الشيطانية،وأدواتها) وهو المطلع على الأعمال جميعها، الظاهرة والباطنة، المعلنة والخفية.
فمثلما يقوم ( الحق) على قانون ( الاستدراج) فهو يقوم أيضا على قانون ( التدرج) أي ان هناك( بغتة جزئية ) تظهر على مرّ العصور كما بيّنا في الأمثلة السابقة،تظهر لتنصر الأولياء والصالحين ،وتذل المتكبرين ( الأدوات الروائية المتحكِّمة)!!
وهناك ( البغتة الكلية الأولى) التي يحدد ( الحقُّ) انطلاقها لتعيد الأمور الى نصابها الحقيقي، ليكون الإنسانُ الخليفةَ الذي أُختير للحياة،وأُختيرت الحياة له،
ليعيش حياةً طبيعيةً،ويستثمر نعم الله،ويتذوق طعم الرضا والأمان، بعيدا عن سفك الدماء والفساد!!
فهو العصر الذهبي،وهو عصر التكامل ،وهو القيامة الصغرى،إذ عبر (الإمام الرضا) عنه بـ (إن ّ قيام الموعود كالقيامةلايعلمه إلا الله ولا يحدث إلا بغتةً). مكيال المكارم،الأصفهاني:٢ /١٦٠
س/ ماهي الصور الإيجابية لـ( معادلة البغتة)؟
ج/إن قدرة( الحق المباغِت) دليل على أن المهيمِن الحقيقي هو من يمتلك زمام المعادلة،وليس كما يُصوّر الإعلام ،الذي دأب على توهين قدرة الحق، وهنا تكمن الإيجابية، فالذي يباغت ويغير المعادلات هو القوي القادر، فلا يأس ولاقنوط في ظل وجود هذه القدرة، وهذا نفسه مدعاة للإنسان وحافز له يحثه على العمل والاستمرار، فعلى كل فرد أن يعمل ويجتهد ويتوكل ، فهناك جهة عليا ترعاه وتنظر إليه،وتتولى شؤونه، هي جهة المحبة الراعية المربية،الحاضرة القريبة في كل حين، ومن يسلِّم أمره للـ( الحق) فإنه سيبقى بعينه.
https://telegram.me/buratha
