ا.د جهاد كاظم العكيلي ||
مُنذ العصور الغابرة، كانت الحقيقة هي الشُغل الشاغل للأنبياء والفلاسفة ورجال الفكر، وقد تعذَّب بسببها الكثير من إجل ترسيخ مفاهيم العدالة والمساواة بين أجناس البشر ..
وهذا يعني أن الأنبياء والفلاسفة ورجال الفكر، كانوا قد خالفوا ما كان قائما من تقاليد عبثية بخلاف الحقيقة من إجل أن تُخلد الحقيقة لإنقاذ البشرية، فالفيلسوف الإغريقي سقراط (399) قبل الميلاد، والسيد المسيح عليه السلام، جاء مخلصا للبشرية من الظلم والإستبداد، وكان كل منهما يحمل رسالة للخلاص من الواقع السيء الذي كان الناس يعيشونه، وإنتقدا بشدة الظلم وغياب العدالة وإساءة إستعمال الحاكم للسلطة المطلقة، وبسبب ذلك واجها الموت بشجاعة وكرامة من إجل نشر الحقيقة، وكان لكل منهما رسالة يؤديها تجاه البشرية جمعاء، وهما يواجهان عبيثة الحياة التي كان يسودها الظلم وإنكار حياة البشر آنذاك، ولم يعتذرا أو يطلبا العفو لإنقاذ حياتهم وهما يواجهون الإعدام، إنطلاقا من إيمانهما الراسخ بأنهما أصحاب رسالة لم يخوناها أبدا ..
هذه هي فلسفة الحياة وهذه هي حقيقتها التي يتوسمها الرجال عندما تتساقط القيّم السامية النبيلة على أيدي حُكام الأمة، فمنذ قرون لا زالت هذه الأمة غارقه في العتمة لا تُحب أحدا أن يجهارها بقول الحقيقة، أو أن يلسعها أحدا كي يوقضها من نومها العميق وهي، غائصة في ممارسة الظلم والإستبداد ومنها عبثية الحروب، فعبثية الحروب لم يكن ينطقها القرداحي إلا بعد أن تعكز على شعوره ووجدانه وصوت الحق والحرية الذي إنبعث من موقع المسؤولية الإنسانية تجاه أمة العرب المغلوبة على أمرها منذ سنين طوال مضت، فعبيثة هذه الحروب لم ينطقها أصحاب الجلالة والرفعة والسمو عندما سخروا شعوب بأكملها لهذا الغرض من إجل أن يبقوا على عروشهم قائمة ..
لقد مزقت الحروب العبثية، العراق ولبنان وسوريا واليمن، ودمرت البنيان ورملت النساء وشردت الرجال وذهبت ثروات الشعوب لأصحاب شركات السلاح في الغرب، فيما بقيَ الإنسان العربي ولا يزال حتى اللحظة يبحث عن أمل مفقود، مهاجرا مدفونا بين آثار الحروب، ولا زلنا ندفع الثمن وسنظل ندفعه طالما هناك من يستشيط غضبا من قول الحقيقة، وطالما هناك مهللين لذلك عبر المذياع وشاشات التلفزة، وهم تجار الحروب المنتهزين لأي فرصة عبثية، ليسوقوا شعاراتهم عليها ببصمات الدولار التي أخفت الحقيقة عن الملايين من الشعب العربي ..
سيظل جورج قرداحي ذلك الصوت اللبناني المُهم الذي نطق بالحقيقة وسط تداعيات الذل والمهانة التي تتعرض لها الأمة وهو، يحذوا حذو سقراط، والسيد المسيح عليه السلام في قولهما الحقيقة لأن فيها خلاص الأمة من واقع ظالم يغطي سماء الأمة العربية والإسلامية جمعاء، وما قول الحقيقة التي نطق بها القرداحي وبصوت عال إلا وسام شرف تتوشح به سماء لبنان وأهل لبنان وهي الشجاعة بعينها، فلا تقنط وتمسك بشجاعة سقراط، والسيد المسيح عليه السلام من إجل قول الحقيقة كما هي لا غير ذلك ..