المقالات

الأصولية الإسلامية..قراءة سببية


 

الدكتور علي زناد كلش البيضاني ||

 

القيم المضادة للانفتاح الكوني ولقيم النزعة الإنسانية تُسهم في إيجاد خاصيّة انغلاقية تنكفأ على الذات ، ولعلنا لا نذيع سراً في القول بأن الأصوليات لا تنحصر في الظواهر الدينية ، وإنّما هي نزوع إنساني يجد مكانه في مناطق الفراغ العقلي التي يتراجع فيها الوعي مع وجود مُستثيرات ومُحفّزات متعددة تقفز فيها دواعي الأصولية من منطقة اللامفكّر فيه إلى المُفكّر فيه تحت عنوانات مختلفة منها الانبعاث الديني أو التجديد الديني وغيرها ، ولنا أن نستعرض في إيجاز الأسباب الباعثة على ظهور الأصولية الإسلامية المتطرفة التي شوّهت صورة الدين الحنيف وكدّرت نبعه الصافي ، ومن هذه الأسباب :

أولاً : إدّعاء الحقيقة المطلقة عند طرف مع النظرة التجهيلية للأخرين ، فهذه الفئة لا تؤمن بنسبيّة المعرفة في المعتقدات والثقافات وإنّما تدّعي القيمومة الثقافية والمعرفية على الأخرين ، عند ذلك تصبح هذه الأصوليات موغلة بالتطرف والتشدد بإعلاء خصوصيتها الثقافية وامتلاكها الأوحد للحقيقة واليقين المطلق ، مما يوفر بالمقابل بيئة خصبة للتحيزات العرقية والدينية والسياسية كردّ فعل على ما تتبناه الأولى من معايير مغلوطة .

ثانياً : الشعور الجمعي بالإحباط إزاء قضايا مصيرية التي تلامس وتُحاكي واقعية الإنسان وتشكّل جزء من صيرورته وتطلعاته ، مما يولّد تنويم عقلي جمعي دافع للغلو والتطرف والتشدد .

ثالثاً : الانطباعات الذهنية المتأصّلة التي ترتكز على مفاهيم الغلبة الحضارية الغربية على الحضارة الإسلامية ، شكّلت ردّة فعل كبيرة في تكوين تيارات أصولية سلفية تعمل على ضرورة الردّ على هواجس الغلبة الحضارية الغربية والانقضاض عليها لإبراز المجال الحضاري المقابل كند أولاً و غالب أو متساوي ـ على الأقل ـ ثانياً.

رابعاً : لا يمكن إغفال الجانب الاقتصادي ودوره في التشكّلات للتيارات الأصولية فالشعور بالفقر وعدم قدرة البيئة الاقتصادية على استعياب وتوفير الحاجات الأساسية مما يدفع بالتالي إلى اتخاذ منهجية التطرف كمُعوّض لذلك الفقر لعلّه يحفل بمناه ويصل مبتغاه.

خامساً : هناك تيارات أصولية لا تؤمن بجوانب الدعوة الفكرية ـ النظرية ـ بل ترى إن الوسيلة الأهم في التعبير عن الذات هي العنف والتطرف ، وهي بلا شك نتاج دوافع سايكولوجية وسيسيولوجية .

سادساً : يعزو ( روجيه جارودي ) في كتابه ( الأصوليات المعاصرة ص9 ) ظهور الأصوليات إلى سبب سياسي ـ وأن كان يعطي صفة العموم في تقييمه ـ  فيرى أنّ التعصب السلفي بكل أشكاله في العالم الثالث قد ولد نتيجةٌ لطروحات الغرب منذ عهد النهضة لغرض أنموذجه الإنمائي وثقافته.

ومما يُعزّز رأي جارودي ما ذهب إليه المفكرين الغربيين أمثال فرانسيس فوكاياما في كتابه (نهاية التاريخ) وصموئيل هنتغتون في كتابه (صِدام الحضارات) وهم يُنظّرون للبؤرة المركزية الغربية بوصفها القائد للعالم والمنتهى إليه.

وهذه الطروحات الفكرية تكون مبرراً لظهور الأصوليات التي تبتني وتتخذ من الكراهية منهاجاً في سلوكها ، وهذا ما لاحظناه في خطابات المُفكّر البريطاني  (برنارد لويس) المُتخصص بتاريخ الإسلام والشرق الأوسط والذي يستند عليه اليمين الأمريكي في طروحاته الخبيثة إذ ينقل لويس في كتابه (أين يكمن الخطأ ، صِدام الإسلام والحداثة ص 24 ) قوله " أنّ عمر الصراع بين الإسلام والمسيحية هو عمر الإسلام ذاته " ومعنى ذلك إن الإسلام هو السبب في إثارة وصيرورة النزعات العدائية مع المسيحية مصوراً الإسلام بأنه مشروع صراع عدواني ضد المسيحية طوال التاريخ ومعادي له ، وهو ما قرره في الكتاب نفسه ص44 بالقول " أن الإسلام بطبيعته يُعادي الإنجازات المدنية للغرب لأنها من إنتاج الكفار" . مثل هكذا خطابات تجعل من الآخر الإسلامي أن يرد وبقوة سواءً على المستوى الفكري ـ وهو الأصح ـ لكن ما بالك من يترجم الرد لسلوك عملي متطرف يتقهقر فيه على أصولياته السلفية التي تتحذ من العنف الوسيلة الوحيدة في التعبير عن الذات.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك