المقالات

لا حيف إذا فسد الزواني


  علي علي||   يعالجنا الطبيب إذا مرضنا فكيف بنا إذا مرض الطبيب؟  ما تقدم هو بيت للشاعر العراقي الريفي الجنوبي علي الغراوي، الذي لم يمهله العمر من العقود إلا أربعا، وكان دأبه يتغزل في العراق، ويتألم للعراق، ويبكي على العراق، ويأمل ويرجو للعراق والعراقيين حياة حرة كريمة، وفارق العراق والعراقيين في النصف الأول من القرن المنصرم، ولم يتحقق شيء من أمله ورجاه، لا في حياته ولا بعد مماته حتى ساعة إعداد هذا المقال.   وأراني أتذكر أبياته -رغم قلتها- ونحن نعيش أياما قد تكون منعطفا هاما في حياتنا، حيث ثار الشعب بعد أن طفح به الكيل قبل شهور، ولم يوقفه "كرونا". وانتفض على الفساد الذي توغل أيما توغل في مفاصل الدولة، بأشكال وأصناف وأنواع لم نكن نعيها او ندركها، فعلى حد علمنا أن السارق على سبيل المثال لاينفذ سرقاته إلا ليلا، حتى قال في هذا صاحب المثل؛ "الليل ستر الحرامية"..! كما علمنا أن جل ما يخشاه الـ "حرامي" هو الـ "چرخچي" وهو حارس الليل، مع أنه -الچرخچي- لايحمل غير صفارته وعصاه، إذ لم يكن مسموحا له بالتسلح بأبسط الأسلحة النارية، ومع هذا نراه مُهابا يتجنبه اللصوص.    لصوص اليوم -لسوء حظ المواطن العراقي- غير لصوص الأمس، وهم لايهابون الرقيب، إذ أنهم "دهن ودبس" مع "الچرخچي". فنراهم يصولون ويجولون ليل نهار، ولا يردعهم رادع ولا يردهم راد، بل أن سرقاتهم تتم تحت جنح الليل بأريحة، كما أنها تنجز في وضح النهار بأريحية أكثر، ولا خوف عليهم ولا هم يهربون.   وإذا علمنا أن الطامات الكبرى في العراق كثيرة، فإن كبريات الطامات هي أن اللصوص هم أنفسهم الذين يتربعون على عرش السلطات، ويتقلدون المناصب العليا في البلاد، ويمتلكون حصانات رسمية فضلا عن القوة والنفوذ اللذين يتمتعون بهما، وبذا فهم يجسدون المثل القائل: "حاميها حراميها".  وحين أسمع عبارة: "من اين لك هذا؟" يحضرني البيت الثاني لشاعرنا الغراوي إذ يقول: ولا حيف إذا فسد الزواني وكل الحيف لو فسد النجيب   ولا أبالغ في شيء إن قلت أن السنوات الثماني عشرة الأخيرة التي مرت على العراقيين، حملت صورا وقصصا للفساد، يشيب لها الوليد من هول التفاصيل التي تحويها، وما زاد الطين بلة هو الرؤوس والـ (صماخات) التي شكلت عصابات بأذرع أخطبوطية، توسعت وتمددت في مؤسسات البلد ومرتكزاته بأعلى المستويات، حتى بات الفساد السمة الواضحة في أية مؤسسة حكومية، بدءًا من "العارضة" وباب النظام مرورا بالاستعلامات ثم الواردة فالسجلات فالمتابعة... صعودا الى المدير والمدير العام والوكيل... وانتهاءً بالوزير، وإن رمت استثناء أحد من هؤلاء، فإن أصابع الاتهام تشير إلي بالتواطؤ والتستر على الفساد، وعدم نشره صحفيا وإعلاميا، وأكون إذاك خائنا لمهنتي. ومع تصاعد السرقات في البلد، تتصاعد القروض الداخلية والخارجية، حيث الأخيرة تغطي الأولى، وتبيض وجه السارقين.    ومع هذا النكوص في مكافحة الفساد، نسمع عبارات معسولة، تفتح أبواب الأمل مشرعة على مصاريعها، عادة ماينطقها أعضاء لجنة النزاهة، وقبلهم رئيس الحكومة، مؤكدين ملاحقة رموز الفساد وكشف أوراقهم ليتسنى القضاء عليهم، وتتكرر هذه التطمينات لتحسين سمعة كانت قد تشوهت. وحين يشعر المسؤولون أن الأكذوبة لم تعد تنطلي على المواطن العراقي، يتدرعون بجلد الحرباء ويتقمصون دور الشرفاء، فيما تهب الأحزاب على قدم وساق، لطلاء أوجهها الكالحة، بألوان براقة وببهرج فتان، لتظهر بوجه البراءة من كل فعل دنيء لا وطني.   وعلى هذا المنوال، يستمر الضحك على الذقون، ويبقى المواطن المغلوب على أمره، بين مطرقة الفاسدين وسندان الصبر والتحمل، وتستمر اللعبة إلى أجل غير مسمى. aliali6212g@gmail.com
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك