يحكى أن حاكماً طاغيا ً قد حكم العراق واغرقه دما ً وتفنن في ايذاء الابرياء من السلف غير ان الخلف بدأ يشكك فيما جرى على السلف !!! واليهم نقدم هذه القصة .
قبل البدء تأمل صورة المحفظة ( الجزدان ) جيداً واعلم انها التقطت قبل اشهر قليلة
تأمل في بريقه وتأمل في دقة عمله وذوقه وتأمل في جمال العمل اليدوي ثم تابع سطور المقال لتعلم من هو صانع الجزدان واين صنعه ومتى ؟ دون ان تفكر بسؤالي عن اسمه لان هذا ما هو جاري البحث عنه للان !
حينما صحى الطاغية ذات يوم على فكرة طرد ثلة من الناس من ارض العراق كانت اصولهم ترجع الى ايران ( تبعية ) والبس القضية ثوب الجاسوسية والعمالة كرد فعل على اقامة الجمهورية الاسلامية ونجاح الثورة فيها وكانت عملية الترحيل ( التسفير ) مخزية حيث لا يُسمح للمسفر بتصفيه اعماله أو ترتيب اوراقه فمن الدار الى الحدود تتلاقفهم ايدي الجلاوزة وكأنهم قد ارتكبوا جرما ً وجدير بالذكر ان هذه التسفيرات لم تكن الاولى من نوعها فلقد سبقه الحاكم السابق ( البكر ) في تسفير المقيمين منهم ( من لم تكن له اوراق ثبوتية عراقية ) غير ان التسفير الاول كان اكثر احتراماً يُسفر فيه المقيم بمعية ممتلكاته .
وما ان مرت بعض الاشهر على التسفيرات الثانية اوائل الثمانينات حتى اصدر الطاغية امراً باحتجاز الشباب من تلك الأسُر وتحديداً في شهر نيسان فتعرضت بعض الاُسر للسجن ومن ثم أطلق سراحها دون رجالها .
وجُمع الرجال من عمر (15) سنة فما فوق في سجن ابو غريب واغلبهم حرفييون واصحاب مهن معتبرة في النجف وكربلاء وبعضهم كان قد ادى الخدمة العسكرية في العراق ويُتهم بكونه اجنبي !!! وقد سُمح لاقاربهم ( من الدرجة الثانية ) بزيارتهم للفترة من عام 1980- 1986 يحملون اليهم الامتعة والنقود وبدورهم كان المحتجزون يهدونهم بعض الاعمال اليدوية فلقد كان من ضمنهم رجل ربما كانت هذه مهنته او هوايته وهو صانع الجزدان وهو يقوم بحفر اسماء او حروف لاعزائهم بحسب طلبهم ، وفي اخر زيارة للاقارب عام 1986 اخبر المحتجزون اقاربهم بتعرضهم للتخییر من قبل الجلاوزة الذين دخلوا عليهم بملابس عسكرية رموها ارضا ً وقالوا ان ابنائنا اطباء ومهندسون يموتون على الجبهات وانتم ها هنا تأكلون وتشربون !! فإما ان تقاتلوا في الجبهات وإما تنتظروا مصير مجهول فكان جوابهم نحن ايضا ً اصحاب شهادات ووظائف ومصالح ولانقل عن من تقارنوننا بهم .
وكانت هذه هي الزيارة الاخيرة وقد سمعت من شاهد عيان انه تم نقلهم الى السماوة ومن ثم اختفوا وقد ترددت ايام التسعينات اخبار بان الجلاوزة قد اقتادوهم الى الشمال واعتصبوا اعينهم واطلقوهم في ارض حدودية ..... لقد كانت تلك الارض ملغومة فتفجرت اجسادهم في سماء وطن ترعرعوا فيه ودرسوا وعملوا وتزوجوا وكانوا اناس صالحين ومؤمنين عمروا ولم يخربوا .
يا صانع الجزدان ... يامن لاقبر لك ولاجسد اعلم ان جزدانك كنت اتامله منذ طفولتي فلقد كان يقبع في احد الادراج بحرص ولم اعرف قصته حتى كبرت فلقد كانت القصة تتغير فيها المعطيات من فترة لاخرى فالمحفظة صارت ملكاً لوالدتي بعد ان استبدلتها مع احد القريبات التي تقرب لاحد النزلاء معك حيث جذبها جمال العمل ومرت فترة طويلة كنت اعتقد فيها ان صانع الجزدان هو ذلك القريب لقريبتنا وظل السؤال عن هوية صانع الجزدان يشغلني وبعد السقوط وترابط مستجدات الاحداث مع من شهد المظلومية وتكلمهم عن الزيارات وما جرى فيها من حوار توصلت ان ثمة رجل كان يصنع لهم المحافظ وبقية الاعمال الفنية ولا تتصور حجم الامل الذي انتابني حين اكتشفت ان هناك من نجى من السجن وخرج في السنوات الاولى وسعيت سعيا ً حثيثا ً للوصول اليهم عسى ان يصفوا لك شكلا ُ او عمرا ُ ويذكروا لك اسما لتوثيق مظلوميتك التي حق في اعناقنا ولكن مازال البحث مستمرا ً لذا ارتأيت ان اكتب عسى ان يظهر جزدان مشابه يحمل معطيات جديدة تثبت ما دونته او تصححه فلم املك الا معطيات حققت ضمن دائرتها وحسب ولكن .....................
لنتأمل مع القارىء كيف عاش الجزدان ومات صانعه ؟ كيف تقطع الصانع وتماسك المصنوع ؟ كيف نطق ذلك الجزدان بمظلومية صانعه وكيف جذبني للبحث ؟ والادهى هو انني ومنذ عام خلى بدأت بممارسة ذات الهواية وحينها اشتد ارتباطي بتلك الروح روح صانع الجزدان حيث ان العمل اليدوي يترك في النفس وقعا ً ايجابي فرحت كثيرا ً حينما شعرت انه قد مر عليك في سجنك ، لقد كنت رجلا ً ايجابي ومفعم بالعطاء رغم ذلك الوضع الصعب الذي استمر لسنوات والنهاية المفجعة التي استقبلتها بصمت وغابت عن الانظار والطرح ، قد لم يصل بحثي لنتيجة غير انني وفي رحلة السعي تلك اكتسبت الكثير من العبر وقمت باهداء الكثير مما تصنعه يدي وفي نيتي ان يصل بعض ثوابه اليك ومن جانب اخر اترك اثر قد يستجلب لي رحمة ويعيش اكثر مما اعيش كما عاش جزدانك !!!!
رحمك الله وجميع رفاقك ونسأله ان يُظهر مظلوميتكم
اختكم
المهندسة بغداد
https://telegram.me/buratha