المقالات

لماذا الهجرة منك ياعراق؟!


 

علي علي ||

 

 ومن لم يبن في قومه ناصحًا

 لهم فما هو إلا خائن يتستر

 ومن كان في أوطانه حاميًا

لها فذكراه مسك في الأنام وعنبر

ومن لم يكن من دون أوطانه حمى

فذاك جبان بل أخسّ وأحقر

  قدما كان الشعور بالانتماء الى الأرض يرافق أغلب المخلوقات على المعمورة، فنراه جليا في الضواري والسباع في كيفية ذودها ودفاعها المستميت عن عرينها ومساحة الأرض التي تعيش فيها. ومن المؤكد ان مفهوم الانتماء لدى الإنسان يتخذ بعدا أعمق من باقي المخلوقات، ذلك أن عقله يلزمه على التقيد بقيم ومثل، يُلام اذا شذّ عنها ويحاسب إن تجاوز عليها، كما أن هناك مصلحة عامة تحد من تماديه في مصالحه الخاصة.

  كذلك يتشعب مفهوم الانتماء الى معانٍ أخرى، أولها الحقوق والواجبات، فكما لكل فرد حقوق، عليه مقابل هذا واجبات. وعلى ذكر الضواري والسباع والتصاقها بعرينها، أرى أن المثل القائل؛ (كثر الدك يفك اللحيم) أقرب ما يمكن الاستعانة به لتصوير حالات السفر والهجرة من أرض الوطن إلى حيث المجهول، والتي صارت عنوانا بارزا لشيب وشباب ظرفنا الحالي، فشبابيك التذاكر تزدحم بالفارين من جحيم العيش في بلد السلام، ومحيطات الأرض ما فتئت تبتلع من ساء حظه في عبورها، بعد أن حلم بالوصول الى الضفة الأخرى، حيث الأمان والسلام بعيدا عن دار سلامه المزعوم. أما مخيمات طالبي اللجوء في مشارق البلدان ومغاربها، فهي الأخرى باتت تكتظ بعراقيين، أجبروا على الرحيل عن وطنهم كحل لا بديل له، بعد أن ملأ اليأس قلوبهم من العيش بسلام فيه، كأنهم يحاكون بيت الأبوذية لشاعرنا المرحوم سعد محمد الحسن الذي يقول فيه:

ضماير ما تعرت من عرينه

ومثل سيل المسودن من عرينه

الأسد حگه يتكتر من عرينه

لگه اليربوع يردح بالثنيه

  الذي يحصل في بلدنا في السنوات الأخيرة من مطالبات بالحقوق، هو في حقيقة الأمر مدعاة فخر وتباهٍ لكل عراقي، ينتمي الى العراق حد الالتصاق بتربته، إذ لو لم يكن المطالب بحقوقه يشعر بأحقية نيلها من قِبل حكومته المحلية والحكومة الاتحادية على حد سواء، وتبادل الأدوار بين الأخذ تارة والعطاء أخرى، لما تظاهر مطالبا إياهما بتوفيرها له. وشعوره هذا متأتٍ من صدق عراقيته وتأصله بها، ولو كان الأمر غير ذلك، لتظاهر العراقيون الموجودون في بريطانيا او أمريكا او السويد، وغيرها من أصقاع المعمورة التي ملأها العراقيون خلال العشرين عاما ونيف الماضية، لضيق ذات اليد وانحسار سبل العيش واسباب الحياة الآمنة في بلدهم.

  الجميع متفق أن هناك قصورا وتعطيلا في كثير من حقوق المواطن، وهو أمر من الممكن استدراكه بشكل يرضي جميع الأطراف، لو تسنى لمفاصل الحكومة وشخوصها -الأمناء حصرا- العمل تحت سقف الراعي لحقوق رعيته، وأداء وزارات الحكومة بشخص وزيرها ووكلائه ومديري دوائرها ومؤسساتها وهيئاتها بمنتسبيها كافة، لاسيما التي تتعلق بالجانب الخدمي، حينئذ فقط يشعر المواطن أن بلده حقا هو دار سلام وأمان وعيش رغيد، وبذا ينعم الجميع بنيل حقوقهم، ويكون العراق ساعتها دار سلام اسما على مسمى، لا كما يرسم له المغرضون اليوم -كما رسموا له بالأمس- ليكون دار شقاء وعناء وعيش مرير، فينفضّ من حوله أهله إلى حيث اللاوطن واللاعودة إليه.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك