أحمد عبد السادة ||
لم يكن من المستغرب أن يتحول فجأة المطالبون بإجراء انتخابات "مبكرة" في عهد حكومة عادل عبد المهدي إلى مطالبين بعدم إجرائها أو داعين لمقاطعتها أو منسحبين من المشاركة فيها في عهد حكومة مصطفى الكاظمي، وذلك لأن مطالبتهم السابقة بإجراء هذه الانتخابات تهدف أساساً إلى الإطاحة بعبد المهدي وحكومته وتسليم السلطة لفريق حكومي يكون خاضعاً لجهتين:
الجهة الأولى خارجية معادية للحشد الشعبي ومحور المقاومة، وتتمثل بأمريكا وبريطانيا وأدواتهما في المنطقة مثل السعودية والإمارات.
والجهة الثانية داخلية وتتمثل بتيار سياسي "شيعي" يستغل الشارع والتظاهرات وشعارات "الإصلاح" بهدف تحقيق مخططه المتمثل بابتلاع الدولة واختطافها.
لا شك أن منطلقات الجهة الخارجية في قضية إسقاط حكومة عبد المهدي تختلف عن منطلقات الجهة الداخلية رغم سعي الجهتين لتحقيق هدف مشترك بينهما ويتمثل بحل وتصفية الحشد الشعبي وإضعاف فصائل المقاومة العراقية "الشيعية".
الجهة الداخلية تلك مثلاً لم تجد في عبد المهدي - رغم ضعفه الشديد - ذلك الشخص الذي يستسلم بشكل مطلق لها، والذي يمكن أن يمنحها كل شيء بلا نقاش ولا تردد، كما يفعل الكاظمي الآن، ولهذا قررت إزاحته من خلال الإيعاز لأتباعها بالنزول للشارع لنشر الفوضى والحرق وقطع الطرق والتخريب وتعطيل الدولة بعد أن ركبت موجة تظاهرات تشرين المشبوهة والفوضوية أصلاً وابتلعتها لتحقيق أهدافها.
أما الجهة الخارجية المذكورة أعلاه فقد قررت إسقاط حكومة عبد المهدي لأسباب تقف بمقدمتها إبرام تلك الحكومة لاتفاقية اقتصادية كبرى مع الصين استناداً لمعادلة "النفط مقابل الإعمار"، وقيامها بتوقيع عقد مع شركة "سيمنز" الألمانية لإصلاح وتطوير منظومة الكهرباء في العراق، فضلاً عن قيامها بفتح منفذ القائم مع سوريا للتبادل التجاري، ورفضها تنفيذ العقوبات الأمريكية "الأحادية" ضد إيران، ورفضها الإساءة للحشد الشعبي في البيان الذي أصدرته السفارة الأمريكية في بغداد بشأن العقوبات الأمريكية الاقتصادية على إيران، ناهيك عن قيامها بتحميل الكيان الإسرائيلي مسؤولية قصف مقرات ومخازن سلاح الحشد الشعبي.
لقد نجحت الجهتان الخارجية والداخلية باستثمار فوضى تشرين وتوجيهها بالشكل الذي يخدمهما معاً، وقد ساعدتهما في ذلك قرارات سابقة خاطئة لعادل عبد المهدي تتمثل بإزالة التجاوزات السكنية و"بسطيات" الباعة المتجولين الفقراء من دون توفير حلول بديلة، كما ساعدتهما الخطوات السلحفاتية البطيئة لعبد المهدي الذي فشل تماماً باحتواء أزمة تشرين وامتصاص صدمتها وتخفيف حدتها وتفتيت موجتها من الداخل.
وبمساعدة ترسانة إعلامية ضخمة وموجهة تمكنت الجهتان من شيطنة عبد المهدي وإزاحته، ونجحتا، بالضغط والابتزاز والخداع، بتنصيب بديل له سيُكلَّف من قبلهما بتنفيذ مشروعهما حرفياً، ولهذا قام هذا البديل بتسليم مفاتيح الدولة لهذه الجهة الداخلية التي تدعي الإصلاح لإرضائها (في مشروع ميناء الفاو الكبير وحده قبضت الجهة التي تدعي الإصلاح مبلغ 500 مليون دولار من الشركة الكورية الفاسدة لتمرير تنفيذها للمشروع بدلاً من الشركة الصينية التي قدمت عرضاً استثنائياً ومفيداً لتنفيذ المشروع)، كما قام - تنفيذاً لأوامر أمريكية - بتجميد الاتفاقيتين مع الصين و"سيمنز"، واستهداف الحشد الشعبي، وإقالة وتجميد قيادات أمنية وعسكرية مقربة للحشد، وعقد اتفاقية سنجار تمهيداً لإعادة هيمنة آل البرزاني الانفصاليين على سنجار وكركوك وبعض المناطق، وذلك فضلاً عن قيامه بمحاولات إبعاد العراق عن محور المقاومة الذي ساند العراق بالحرب ضد داعش، ليربطه بمحور الدول المطبّعة مع الكيان الإسرائيلي كمصر والأردن والإمارات والسعودية من خلال إبرام اتفاقيات اقتصادية معها مكلّفة وغير مفيدة للعراق.
كان شعار "الانتخابات المبكرة" هو الشعار الذي رُفِعَ على رماح الداعين والداعمين لإسقاط عبد المهدي وحكومته، لكن بعد أن تم السطو على السلطة من قبل عملاء أمريكا بدأ التسويف بمسألة إجراء هذه الانتخابات (تم تأجيلها من موعد 6 حزيران 2021 إلى موعد 10 تشرين الأول 2021)، وبدأت تُطلق تصريحات مريبة تدعو لعدم إجرائها تحت ذريعة "تدهور الوضع الأمني" كتصريح السفير البريطاني السابق في العراق ستيفن هيكي، وكتصريح رئيسة بعثة الأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت، وذلك فضلاً عن الانسحاب "الصوري" للجهة الداخلية التي تدعي الإصلاح من السباق الانتخابي، وهو انسحاب هدفه تأجيل الانتخابات وليس مقاطعتها، وقد نشهد قبل موعد الانتخابات حصول تظاهرات "إصلاحية" فوضوية تخريبية تشبه تظاهرات تشرين السابقة ولكن هدفها هذه المرة ليس إسقاط الحكومة، بل تأجيل الانتخابات وإبقاء حكومة الكاظمي تحت عنوان "حكومة الطوارئ".
لقد كانت مطالبة هؤلاء السابقة بانتخابات مبكرة في فترة حكومة عبد المهدي أشبه برفع "قميص عثمان" الذي لطخوه هذه المرة بدماء ضحايا تشرين المغرر بهم بهدف استثمارها، ولكن بعد أن تحقق الهدف وتم تنصيب رئيس وزراء على مقاساتهم أنزلوا هذا القميص وأعادوه إلى صندوقه السري ودفنوه برفقة بعض الشعارات الخادعة التي تتحدث عن "الوطن" وضرورة استعادته!!!
وأخيراً أقول:
رغم أن الانتخابات لن توفر حلاً سحرياً لأزمات العراق، إلا أن إجراءها بموعدها المحدد يعني الخلاص من هذه الحكومة "الكارثة" التي تنفذ مخططات أعداء العراق بشكل منظم، كما يعني إحباط مشروع الانقلاب التدريجي الذي تقوده أمريكا وأدواتها بتأييد ودعم من أدعياء الإصلاح الطامحين لابتلاع والتهام الدولة.
https://telegram.me/buratha