المقالات

نحن بحاجة الى ثورة قيمية كبرى


 

عبد الكاظم حسن الجابري ||

 

عادة ارتبطت الثورات بالمجال السياسي, وصارت الثورة قرينة متلازمة للنهوض ضد الحاكم او ضد النظام والطبقة السياسية الحاكمة.

الثورة عادة تهدف لتغيير واقع ما, او المطالبة بحقوق معينة, ورفض الظلم والتمييز وما الى ذلك, ومن باب المجاز اُطلق عل النقلة الصناعية في اوربا في منتصف القرن الثامن عشر اسم الثورة الصناعية, وذلك لإحداثها تغييرا جذريا في الحياة وانتقال البشرية الى عالم المكننة.

يشهد العالم عموما والعراقي خصوصا تردٍ واضح في البنية المجتمعية, وتهاوٍ كبيرا للقيم الاجتماعية والاخلاقية, وقفزت التفاهة والفوضى الفكرية الى الواجهة, واصبحت القيم في مهب الريح.

اصبح التفاهة معيار التميز, واصبح الفارغون من المحتوى المعرفي يتسيدون المشهد, واصبحت الشهرة تقاس بما يلقى من تفاهات او سخرية او فضاضة او بذاءة في الكلام.

لقد اصبحت المفردة البذيئة والالفاظ المنحطة امرا مألوفاً في وقتنا حتى بين ما يسمى بالنخب سواء أ كانت سياسية أم ثقافية أم رياضية أم فنية, وقفزت الى الواقع حالات اخلاقية غريبة, فاصبح التمادي سمة مميزة لأغلب الجيل الجديد, فلا احترام للمعلمين, ولا توقير للكبير, ولا رعاية للقانون, واصبح الانفلات عاديا, والتجاوز على المحرمات ثقافة, والتهتك في الشوارع تطور, صرنا نرى الشاب يلبس البرمودا ويدور في الشوارع والاسواق دون ورع او خشية من عيب, صارت المخدرات والخمور علنية, والغش صار شطارة, والفساد صار مهنة, الاستهانة بالدماء صار علنيا, والاعتداء على الاخرين صار جسارة وشجاعة, التحرش ومخالفة النظام كلها ثقافة دخيلة على مجتمعنا.

لا نخفي الدور الكبير للحروب والاحتلال في افساد قيم وثقافة المجتمع, وهذه امور معروفة بين اوساط الباحثين في الشؤون المجتمعية, لكن لا يخفى ايضا الدور الذي تلعبه الامور المادية في هبوط القيم الاخلاقية, وتبدو العلاقة عكسية بين القيم المادية والقيم الروحية والاخلاقية, فكلما غلبت المادة هبطت القيم الاخلاقية وبالعكس.

وتماما كما في الثورات السياسية التي تدعوا للتغير فنحن مطالبون بان ننهض بثورة اجتماعية كبرى للتغيير تعيد القيم والاخلاق الى مسارها, والنهوض بالمجتمع نحو السمو الروحي بعيدا عن الانحدار في القيم المادية الضحلة.

اساس الثورة تبدأ من داخل الفرد, فنحن مدعوون جميعنا لان نعيد ترتيب اولوياتنا, والنهوض بالقيم الانسانية العالية في داخلنا, اذ علينا تغليب قيم التسامح والشهامة والمروءة والتضحية والبذل والعطاء والغيرة واعلاء القيم الدينية والثقافية والمعرفية بما يحقق رفعة المجتمع وبناءه بناءً رصينا صامدا امام أي غزوا ثقافي.

الاسرة هي اللبنة الثانية في هذه الثورة الانسانية, فالأسر مدعوة لتنشئة ابناءها على الاخلاق العالية والقيم الاصيلة, وعليها ان تهتم بمتابعة الابناء وسلوكياتهم وبمن يتصلون وماذا يفعلون ليحصنوهم من الانحراف.

النخب الثقافية العصامية لا الانتهازية, والمؤسسات الثقافية الحقيقية الرصينة لا الطارئة مدعوة لأخذ دورها في اعلاء القيم المعنوية, وتوجيه برامج نافعة للشباب بما يضمن تسليحهم بقيم انسانية نبيلة.

الخطاب الديني المنبري ايضا مدعو لان يُنقى من بعض الخطباء الذي اتخذوا طريقة الشهرة من خلال سلوك النشاز, والتعامل بمستوٍ شعبويٍّ خلال المحاضرات الدينية, من اجل ان يكسبوا تعاطف الناس.

الاعلام والقنوات الفضائية ايضا مدعوه لان تنقي برامجها من الاعمال الهابطة, والحوارات المنفلتة, ومن استضافة الشخصيات الهزيلة, وعليها ان تعمد الى سياسة اعلامية تكون عونا للأفراد في بناء انفسهم وللمجتمع في تحصينه.

الثورة القيمية الكبرى مطلب حياتي, وهو مسؤولية شرعية وانسانية واخلاقية, علينا جميعا تقع مسؤولية النهوض بها, وان لا نسمح للجهلة وذوي الاجندات الخاصة العبث بعقول شبابنا وابعادهم عن طريق الحق والمُثل والقيم.

ــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك