المقالات

للفساد جذوره في الثقافة الشعبية


 

أ.د علي حكمت شعيب*||

 

تعالوا لا نتذاكى على بعضنا، فنحن الذين نتداول في ثقافتنا الشعبية أن الشاطر هو من "يظبط وضعو" عندما يستلم موقعاً وزارياً أو نيابياً أو قضائياً أو عسكرياً أو أمنياً أو ...عبر الراتب والامتيازات الممنوحة له، فلم ننكر عليه تجييره للسلطة الوظيفية لنفسه وخاصّته من الناس.

في ثقافتنا الشعبية لا وجود لمفهوم القائد الخادم، كما ينبغي أن يكون عليه القائد، من حرص على الناس متمثل في السعي الحثيث كي يتأمن لهم ما تُرفع به حوائجهم وتزول معه مشقتهم، بأسلوب تكون الرأفة عماده والرحمة شعاره.

بل ننظر الى الوظيفة العامة في مستوياتها الإدارية القيادية، لا سيما العليا والوسطى، كزعامة تشكل فرصة ثمينة لإشباع غرائز شتى مذمومة كحب الجاه والشرف والعلو والطمع والحرص على جمع المال والاكتراش من أعلاف الدولة المزرعة.  

لقد أخذتنا الاتجاهات الموجودة في ثقافتنا الشعبية الى تقديس الزعيم الذي يجمع المال ويمتلك السلطة، دون أن نسأل أنفسنا، هل أن ما جمعه من حلال أم من حرام، كدّس فيه حقوق الناس وجعلها حقاً له.

ومن ثمّ انبرى يخاطب الناس في العفة، ويمنّ عليهم من أموالهم وحقوقهم على الدولة، ليُمتدح من قبلهم على كرمه وعلوّ شرفه وعظيم عفّته وحسن صنعته.

نحن من نتربى في دولة نرى فيها الرشوة مغنماً وكرامةً، فلم ننه أولئك الموظفين في القطاع العام الذين يتعاطونها على مستوى السلطات كافة، التنفيذية والتشريعية والقضائية والعسكرية والأمنية و... بل وقبلنا أن تكون سبيلاً للدخول الى الوظيفة الرسمية، والى تسوية النزاعات والمشاكل الخلافية بدفعها الى الضباط والقضاة، حتى عمّت الفوضى واستشرى الفساد وضاعت الحقوق وعطّلت الأحكام والحدود.

نحن من مارسنا التكلّف والتملّق في الخطاب والسلوك، فألّهنا سادتنا وكُبَراءنا وجعلناهم أرباباً علينا فأضلّونا السبيل ونحن نرى ما وصلنا اليه من فساد وفقر بسبب ذلك.

نحن الذين تعوّدنا فلم نستنكر أو نستسخف كِبْرَ الزعماء علينا المتجلّي في امتلاكهم للقصور الفارهة والمواكب الباذخة والامتيازات الرفيعة والحصانات المنيعة حتى من المساءلة والمحاسبة، ثم انثنينا لنتمنى لأنفسنا ذلك، طبعاً البعض منا، متبعين طوعاً من لم يزده ماله وولده إلا خساراً.

أليست هذه بذور فساد قد تأصلت في نفوسنا وثقافتنا الشعبية علينا نزعها بداية كي تستقيم أمورنا.

وهل بهذه السهولة نستطيع استنكار امتياز بعض من يتبوأ مواقع قيادية في هذا البلد لجعل الناس ينقمون على الظلم اللاحق بهم جرّاء ذلك.

إن التغيير إذا أراد أن يحقق أهدافه عليه أن يبدأ من الأعماق أي من القيم والاتجاهات المغروسة في النفس والتي يتوارثها الناس بالتربية الناقلة للثقافة الشعبية جيلاً بعد جيل.

وهذا قانون إلهي فاعل في الحركة الانسانية.

"إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم"

 

  * أستاذ جامعي/ الجامعة اللبنانية ـ بيروت ـ لبنان

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك