أحمد عبد السادة
"بينما أستعد لتسليم السلطة إلى إدارة جديدة أريدكم أن تعلموا أن الحركة التي بدأناها ما زالت في بدايتها"!!
بهذه الكلمات التي وجهها ترامب لأتباعه في خطابه التوديعي أقر باستعداده، على مضض، لتسليم السلطة، لكنه لم يقر أبداً بهزيمته وانسحابه من حلبة المشهد السياسي الأمريكي التي حوّلها إلى حلبة شبيهة بحلبات المصارعة العنيفة الاستعراضية التي كان مهووساً بها، بل هو أعلن نفسه زعيماً لحركة أمريكية شعبوية عنصرية كانت موجودة قبله لكنها اتسعت وتفشت وتضخمت وكشفت كل أحشائها وأورامها وغددها السرطانية في عهده، ولهذا تطبعت هذه الحركة بطبعه وأعلنته رمزاً وعنواناً لها وجعلت نفسها ملحقة به بطريقة دفعت المراقبين والمحللين لأن يطلقوا عليها تسمية: الترامبيّة!!
الظاهرة الترامبيّة في الحقيقة تشبه تماماً ظاهرة جبل الجليد في المحيطات، ذلك الجبل الذي لا يظهر منه سوى 10 أو 12 بالمئة منه فوق سطح الماء، في حين يختفي أغلب جسمه تحت الماء، وهو أمر قد يباغت ويفاجئ بعض السفن أثناء إبحارها ليلاً ويؤدي لاصطدامها بجبال الجليد تلك كما حصل في حادثة أشهر السفن الغريقة "تايتانيك".
استناداً لذلك التشبيه نستطيع أن نقول بأن ترامب لا يمثل سوى رأس جبل الجليد العنصري في أمريكا، أما جسم هذا الجبل فيمثله 75 مليوناً من الأمريكيين الذين انتخبوا ترامب، أي ما يعادل نصف الناخبين الأمريكيين (تقريباً)، ولا شك أن هؤلاء الناخبين الترامبيين يمثلون نصف المجتمع الأمريكي، أي أن نصف أمريكا غاطس في مياه العنصرية!!، وهنا بالذات يصبح لافتاً تعليق بومبيو في أعقاب قيام "تويتر" بحذف حساب ترامب حين قال: "لا يمكن إسكات أصوات 75 مليون أمريكي"!!
ما قام به ترامب هو أنه كشف وفضح الجزء الغاطس من جبل الجليد العنصري الأمريكي وأطلق له العنان عارياً أمام عدسات الكاميرات تارةً على شكل رجل شرطة عنصري "أبيض" يضغط بركبته على عنق رجل "أسود" يئن ويتوسل حتى الموت، وتارةً أخرى على شكل عصابات عنصرية فوضوية تقتحم مبنى الكونغرس وتعبث بمحتوياته وترفع شعارات التفوق العنصري "الترامبي" التي تذكّرنا بالشعارات النازية الهتلرية.
كل ما تقدم يجعلنا نفهم جذر ثقة ترامب بنفسه وسبب شعوره بأنه لم يُهزم تماماً وبأن الحركة التي قادها "ما زالت في بدايتها"، وذلك لأنه يشعر ببساطة بأنه يجلس على قمة جبل جليدي متكون من 75 مليون صوت عنصري أمريكي، ولهذا هو صرح حين غادر البيت الأبيض بأنه "سيعود بطريقة أو بأخرى"!!
لقد رحل ترامب لكن الترامبيّة بقيت، ولهذا ستبقى سفينة أمريكا مبحرة بسرعة في ليل مظلم سيقودها حتماً للاصطدام بجبل الجليد والغرق لسبب جوهري هو أن نصف ركاب تلك السفينة من العنصريين!!