المقالات

التيارات العلمانية العراقية، مائة عام من الصدام..!


 

ابراهيم العبادي||

 

يسجل للفكر العلماني العراقي ،جرأته الشديدة في الدعوة لافكاره والمجاهرة بأهدافه ،فمنذ هبوب رياح (التحديث )الفكري والعلمي من الغرب في القرن التاسع عشر ،   استقبل العراق متأخرا  هذا الفكر -في نهايات القرن ال 19 وبداية القرن العشرين ، قياسا بمصر والشام وتركيا العثمانية وايران القاجارية ، ولايمكن القطع بوجود تيار فكري علماني   الا بعد  تأسيس الدولة الوطنية عام 1921، ولذلك ارتبط نمو هذا التيار وتموضعه في البيئة الاجتماعية بنمو مؤسسات الدولة، وتوسع التعليم واستقبال المجلات والكتب ، وتأسيس الاندية الادبية والاجتماعية ، ومأسسة تعليم حديث مفارق للتعليم الديني الذي كان مهيمنا وسائدا ،وابتعاث الطلبة للدراسة وترجمة النظريات العلمية .

لم يبرز من العراقيين شخصيات عرفت بقدرتها على الانتاج الفكري والثقافي ليكونوا رموزا للتحديث ،خلافا لماعرف في الشام امثال بطرس البستاني (1819-1883) ويعقوب صروف (1852-1927) وفرح انطون (1874-1922) وشبلي شميل (1850-1917)ونجيب عازوري(1873-1916) وغيرهم .بل ان الادباء امثال جميل صدقي الزهاوي (1863-1936)ومعروف الرصافي (1875-1945) كانوا هم الاسبق لتبني هذه الافكار والدعوة اليها علنا.

غير ان  العلمانية العراقية سرعان ماوجدت نفوذا يتزايد بمرور الزمن بالنخب السياسية والعلمية والادبية التي ارتبطت منهجيا بالغرب عموما  ،ثم كان تأسيس الاحزاب الايديولوجية اليسارية (الماركسية والقومية ) والجماعات التي تتبنى الليبرالية ليشتد ساعد ( الدعوة) العلمانية وليصبح سلاح هذه الدعوة هو الدولة الحديثة وادواتها وسياساتها ومناهجها الثقافية والاعلامية ومؤسساتها العلمية والتعليمية .

مع قيادة رجال علمانيين للدولة منذ تأسيسها وحتى سقوطها عام 2003، تكون التيارات العلمانية الليبرالية واليسارية ،قد جربت (افكارها) ومناهجها وسياساتها ، وكان ختام مائة عام من التجارب ديمقراطية ودولة دستورية واحزاب صالونية ،  ثم حكم العسكر والاحزاب الشمولية التي انتهجت  القمع والاستبداد والبطش  الشديد بالامة وتراثها وتقاليدها وثقافتها ، فكان ان فشل  مشروع الدولة وتحطم حلم النهضة، وعاد الصراع الايديولوجي على اشده بين قوى اسلامية تتهم العلمانيين بالفشل والتبعية والعمالة الفكرية والسياسية والتماهي مع الغرب ،وقوى لادينية او علمانية ترفض حضور الدين كموجه للحياة العامة وقائد للدولة وممنهج لسياساتها وعنوانا لمشروعيتها وقيمها .

التعارض الشديد هذا عاد ليأخذ بتلابيب المشهد الفكري والسياسي العراقي، على وقع  الفشل المتكرر في اعادة بناء الدولة وتأطير مشروع للنهوض يقنع الجمهور المستلب بين ذاكرته الحمراء وتجاربه السوداء ، وواقعه المأزوم والمزكوم باضطراب  فكري وفشل سياسي وتردي قيمي وحضاري وضياع منهجي .

بانطلاق الحراك الاحتجاجي التشريني هلل بعض المفكرين والمثقفين لما اسموه بأفول الاسلمة وعودة الهوياتية الوطنية  ،بما يشي بأن عصر صعود الاسلام السياسي قد انتهى وانتهت معه عصاه الغليضة التي جلدت احلام الطامحين بدولة مدنية حديثة ذات سيادة وهوية وطنية وقيم حضارية حديثة . تنفس التيار العلماني العراقي الصعداء مع اشتداد الهجاء (للاسلاميين) وبدأ يستعد لحصد نتائج الصراع الاجتماعي -السياسي السائد في العراق ،لكن مامساحة حضور هذا التيار ومامدى حظوظه ؟واي عوائق عليه اجتيازها ،وعلام يراهن ؟

اسئلة تكون الاجابة عليها جزء من تكميل صورة القراءة للمشهد السياسي العراقي ومعاركه المعقدة والمتعددة .

ــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك