بسمه تعالى
تحفظ ذاكرتي مقطعاً ظهر في احد الافلام العربية منذ ما يزيد عن عشرين عاما ً لشخص ثلاثيني يسافر من قريته الى العاصمة ليؤدي امتحان الحصول على الشهادة الابتدائية ليرتقي في وظيفته واثناء الرحلة يحاول جاهداً حفظ بيت شعري فيردده عدة مرات ثم ينتقل المخرج بنا الى خارج القطار ويهم بالعودة واذا الممثل نائم ومسافري القطار يرددون البيت بشكل جماعي في اشارة الى انهم حفظهوه من كثرة تكراره والبيت يتكلم عن تينة !
وتينة ٍ غضة ِ الافنانِ باسقةٍ ............ قالت لاترابها والصيفُ يحتضر ُ
ولان البيت الشعري كان صعبا ً ومدمجا ً في الفلم تصورت انه نص افتراضي حتى اكتشفت بعد سنوات انها قصيدة رائعة لشاعر المهجر ايليا ابو ماضي تدعى التينة الحمقاء وانها تدخل في كثير من مناهج الدول العربية غير انها لم ترد في مناهجنا وعلى أي حال فالقصيدة تحكي قصة شجرة تين تمردت على الطبيعة في وصف شعري رائع يداعب المشاعر الانسانية ويجسدها بصورة شجرة تين رفضت ان يأكل منها الطير والانسان بل وتجاوزت بالرفض ان يهنأ احد بالنظر اليها !! في بخل واضح وعدم رغبة بالعطاء وأن يكون لها دور في هذه الحياة وتخدم به باقي الكائنات وحينها قررت هذه الشجرة ان تبقى يابسة منكمشة على نفسها وتفتخر بغرورها حتى جاء الربيع وشهد االبستاني يبوسها فقرر اجتثاثها ورميها في النار كحطب .
رسالة الشاعر الى اخيه الانسان ان الغرور والتعالي يقود الى البخل في العطاء وان التواضع والقبول بأنك جزء من سلسلة كل فيها يؤدي دوره هو الصواب وهذا مالم يفهمه الكثيرون .
وها هو دونالد الترامب يجسد دور التينة الحمقاء بامتياز ويستعد ليُرمى به في تنور نار الدنيا قبل حساب الاخرة ، ترامب اخذ ولم يعطي واكتنز ولم يفض فلا عاطي وهب له ما غصبه على اخذه ولا اخذ حفظ له جميلاً ! فما كان لله ينمو وما كان للتينة الحمقاء يكون حطما ً لا محالة .
أما عن تينتنا الحمقاء فهي حالة خاصة تحير بها العقول فالبستاني لم يرد اقتلاعها بل أقبل بجردل ماء ليرويها فما كان منها الا ان دفعته وصرخت نريد وطن وجذورها مرتبطة بتربة البستان !!! نريد حياة وهي ترفض ماء الحياة فظلت عطشى عاماً كاملا على اسفلت ساحة التحرير وهي معلنة
اني مفصّلة ظلي على جسدي ....... فلا يكن به طول ولا قصر
ولست مثمرة الا على ثقة ............ ان ليس يطرقني طير ولابشر
ومرّ العام ليحتطبها من اشار لها وايدها فأي تينة حمقاء وكم تينة حمقاء في بستاننا !!
المهندسة بغداد
https://telegram.me/buratha