المقالات

لن نتخذ من الليل جملاً


 

الشيخ خيرالدين الهادي الشبكي||

            لا زالت الكلمات التي استوعبتها عرصة كربلاء الخالدة  في واقعة الطف تنير الدَّرب وتعلم الاجيال معاني الحياة وسبيل الرشاد, ومن هذه الكلمات التي اسست لتعزيز ثقافة تحمل المسؤولية كلمة الحسين عليه السلام لأصحابه ليلة عاشوراء والاجابة الخالدة التي سطَّرها أصحاب الحسين عليه السلام, إذ وقف الحسين فيهم خطيباً وبين لهم أن القوم يطلبونه فاذا ظفروا به عليه السلام استغنواْ عن طلب غيره , فقال لهم: (أَنْتُمْ فِي حِلٍّ مِنْ بَيْعَتِي لَيْسَتْ لِي فِي أَعْنَاقِكُمْ بَيْعَةٌ وَ لَا لِي عَلَيْكُمْ ذِمَّةٌ وَ هَذَا اللَّيْلُ‏ قَدْ غَشِيَكُمْ‏ فَاتَّخِذُوهُ جَمَلًا وَ تَفَرَّقُوا فِي سَوَادِه‏), فاجتمع حوله إخوته وبنوه وأصحابه, وأجابوا بكلمة واحدة! لمَ نبقى من بعدك؟, وكأن لسان حالهم أجمع على تحمل المسؤولية الكبيرة, وأن يقدموا أنفسهم بين يدي الحسين عليه السلام مجزرين ومقطعين من أجل القضية التي تحملها الحسين عليه السلام؛ لتمتزج دماؤهم بدم الحسين الوجيه عليه السلام وليشاركوه في ملحمته فيخلدون بخلوده الكبير.

            أن هذا الموقف النبيل والكبير من أصحاب الحسين عليه السلام يمثل درساً بليغاً في تحمل المسؤولية, علماً أن الحسين عليه السلام قد أفرغ ذمتهم من البيعة والذمة؛ ولكن المؤمنين أدركوا خطورة الأمر وعظيم المسؤولية فهمُّوا بتلابيب سيوفهم, وتجشموا عناء ثباتهم وزهدوا عن أرواحهم وأموالهم لمَّا طلبتهم المواقف واناخت برحلهم الواجبات, فأيقنوا أن سبيل الحسين عليه السلام هو سبيل الله تعالى, وطاعته طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وآله, فكانت نفوسهم أقرب إلى التراقي وهم أحياء وقلوبهم أثبتوا من الجبال وهم قلة في وسط القوم يرتجزون الشعر وقد انفتحت قريرتهم للدفاع عن الحق وأهله, تاركين خلفهم الدنيا بزينتها والحياة بهنائها؛ ليخلدوا في سجل مجانين الحسين وعشاقه, وليعلِّموا الانسانية أصول القيام ولون الحركة التي تكون من أجل الاصلاح وبناء الانسان وسلامته لأمر الدين والدنيا والآخرة.

            إن تحمل المسؤولية يستلزم الشجاعة والمروءة, وعلى الجميع أن يعيَ أن المسؤولية مناط بهم, وليس هناك من خُلق عبثاً, أو وُجد ليكون رقماً اضافية في عدد البشر؛ بل كل فرد يمثل بذاته خليفة لله في أرضه, وقد حمَّله سبحانه وتعالى مسؤولية معينة بقدَره, فالمسؤوليات متباينة ومختلفة, ولكن ليس لأحد أن يتنصل منها, أو يتخلف عنها, فالكل يتحمل الجزء ليستقيم الأمر للجميع, وأما إذا تخلفنا عن أداء الواجبات وتحمل المسؤوليات فسوف نتحمل جميعاً مسؤولية الفشل وليس لأحد أن يدفع عن نفسه اثمها وآثارها.

            وقبل أن نختم المقال نقول أن منهج الحسين عليه السلام وأصحابه مدرسة لمن يريد أن يتزود لدنياه وآخرته, وخاصة الاخوة الذين تبوؤا المسؤولية في هذا الزمن الذي تغير فيه القيم والمبادئ, فقد تكون مسؤوليتهم مضاعفة أمام المغريات والتحديات التي تحول بيننا وبين الاصلاح, فقد تربع الفاسدون على مقدرات الناس, وأصبحوا يبذلون كل شيء من أجل الاستمرار في بقائهم مسلطين؛ لذلك علينا جميعا وكلٌ من مقامه العمل على تحمل المسؤولية وكشف الفاسدين ومحاربتهم خاصة هؤلاء الذين باعوا آخرتهم بدنيا الشيطان الأكبر فكأنهم أدواته ليبقى الوضع على ما هو عليه من الفساد في مختلف مؤسسات الدولة, والجهات الرقابية عليهم الدور الأكبر ويبنغي عليهم أن يتعلموا من أصحاب الحسين عليه السلام ويتحملوا مسؤولياتهم بوعي تام ولسان حالهم يقول لن نتخذ الليل جبلاً للهرب من المسؤولية, والله ولي التوفيق.        

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك