الشيخ خيرالدين الهادي الشبكي||
استبشرت الامة بعد سقوط طاغوت العصر المتمثل بدولة بني أمية بمجيء حكام بني العباس الذين رفعوا شعار الرضا لآل البيت عليهم السلام, فظن الناس أنهم من أهل الخير الذين يتبعون الامام المعصوم فالتفوا من حولهم, وساعدوهم في الوصول إلى سدة الحكم والقضاء على آخر معاقل بني أمية آنذاك, فلما استقر الأمر لبني العباس أحدثوا من الفساد ما لم يحْدثه طغاة بني أمية ولم يكونوا أقلَّ دموية من سابقهم فقد قتلوا أكثر الأئمة المعصومين عليهم السلام وفتكوا بأنصارهم وشيعتهم الذين انتهى بهم الأمر بين قتيلٍ وسجين وهارب على سبيل الخلاص من بطش بني العباس, فأخذ الناس يتحدثون عن ظلم بني العباس, واستغل الامر أنصار الأمويين فراحوا يزينون صورة بني أمية في أعين الناس حتى ظن الكثير من الناس سيما من الاجيال اللاحقة أن حكام بني أمية كانوا على خير؛ خاصة أن ما أحدثه بنوا العباس من الظلم والفساد فاق التصورات وكل التوقعات.
ما أشبه اليوم بالبارحة!!! نعم فبعد سقوط صنم العراق الدموي الذي قبع على رقاب الناس لسنوات طوال حتى أهلك الحرث والنسل, استبشرنا بالعراق الجديد الذي تزين بالوعود الكثيرة وانطلق حكامها من رحم المعاناة والحرمان؛ بل تصدى للواقع الجديد الكثير من الاحزاب والشخصيات من مختلف الشرائح العراقية التي كانت مهجَّرة ومحكومة بالإعدام والنفي والتي قضت سنوات كثيرة بين الدول والبلدان بعيدة عن الوطن وترابها وماءها, فلما دخلوا إلى العراق كان الكثير منهم يتباهى بقبلة من أرض السواد وقد ذرفوا الدموع كالتماسيح فظن الناس أن هؤلاء من نبحث عنهم لقيادة العراق؛ بل تصور المؤمنون بأن الله استبدلهم بالخير الكثير بعد أن صبروا على بطش صدام الدموي والارهابي.
نعم ما أشبه اليوم بالبارحة, فقد أحدثت الحكومة من الفساد حتى ظنَّ الناس الخير بالطواغيت وبات فتى تكريت رمزاً عند الكثير من الناس, ودارت الأيام على المؤمنين من جديد فليس هناك من يحسدهم على ما هم عليه, فبعد أن سارع المؤمنون بتأييد الكثير من الشخصيات والاحزاب التي تشكلت من أجل قيادة العراق الجديد تبيَّن لهم أن هؤلاء أيضاً ليسوا أهلاً للثقة فقد فشلوا فشلاً ذريعاً بائساً, وابتعدوا عن الخير كله, وحاولت المرجعية أن تكفَّهم عن غيِّهم بتوجيههم ولكنها لم تفلح؛ لأن القوم قد تلوثت قلوبهم قبل أيديهم بالفساد فغلب عليهم ذلك وباتوا أقرب إلى مثال بني العباس بعد أن استقر لهم الأمر.
إن الوضع اليوم أكثر تعقيداً وخطورة ليس فقط لأن أنصار صدام الدموي يروجون له ويحاولون أن يضحكوا على السفهاء وأبناء الجيل الجديد الذي لم يعيشوا أيام الطاغوت الظالم بإظهار الوجه الحسن اللامع لحكومة البعث الكافر ويحدِّثونهم عن بطولات وقدرات صدام الذي عاث في الارض الفساد, وإنما تكمن الخطورة في فشل اكثر الاحزاب والشخصيات التي انسلخت من برامجها ومناهجها الاصلاحية وأصبحت دومة بيد الشيطان الأكبر تُسيِّرها على حسب رغبتها لتكرِّس فشلهم وتسقطهم من أعين الناس, مع أننا نتفق على أن هناك من الاحزاب والشخصيات من يتمتع بالنزاهة والأمانة وقد أثبتت التجربة محاولة بعضهم من أجل انقاذ العراق كما صنعت حكومة السيد عبد المهدي التي أصبحت ضحية الارادة الأمريكية وسفاء الشعب والجوكرية خاصة بعد أن عمدت إلى صفقة الصين والتنسيق مع الشركات العالمية من أجل اعادة هيكلية ملف الكهرباء الذي تقصدت امريكا بتعطيلها على الرغم من ابرامها العقود الكبيرة والتي سرقت بموجبها أموال العراق ووارداتها وسلبتهم راحتهم وعكِّرت نجاح الحكومات الطامحة إلى خدمة العباد والبلاد.
أن من المهم علينا جميعا أن ندركه هو أن الحكومات المتعاقبة مثلت دور بني العباس بشكل نسبي وكان أساس فشلها وسقوطها في اعين الناس ميلها إلى التعامل مع الشيطان الأكبر فكما كانوا بني العباس ضحية الشيطان فطاش سهمهم وزاغوا عن الحق وأكثروا الفساد كذلك أكثر الأحزاب أصبحوا كبني العباس بعد ان أصبحوا بيد الشيطان الأكبر, وهذا الأمر بحد ذاته درسٌ لمن يريد ان يتولى العراق فليس هناك اصلاح أو اعمارٌ أو تقدمٌ دون الخلاص من الشيطان الكبر والابتعاد عن سطوته ومخططاته التي يطمح فيها تدمير العراق والعراقيين.
https://telegram.me/buratha