المقالات

أقلام آيلة إلى السقوط  


الشيخ خيرالدين الهادي الشبكي ||

 

          كشفت التجربة أنه ليس بمقدور الجميع أن يعيش حرَّاً, فالكثير من الناس لا يستطيع أن يعيش إلا عبداً, وقطعاً فان حياة العبيد مختلفة عن حياة الاحرار شرعاً وعرفاً, فالعبد مقيد بسلسلة من الضوابط ليس له أن يفعل ما يشاء أو يقول ما يشاء كما الاحرار, والمشكلة ان الكثير لا يحسن حتى فنَّ العبودية, فقد يسيء إلى العبودية ويزيد طينتها بلَّة, وخاصة إذا كان هذا العبد ذا قلمٍ ينطق أو يحاكي المحيط الذي يعيشه فينطق بما يصدر عن صاحبه, والمعلوم أن الاقلام لا تستسيغ الحياة إلا حرَّة أبية, فان أُسيئ استخدامها انقلبت على صاحبها.

          ولو أمعنَّا النظر في تاريخ الاقلام وما تنتجها من الخزعبلات والآفات لوقفنا على الكثير منها, فكما هو معلوم أن الأقلام كتبت طلباً للمال تارة وللشهرة أخرى أو قد يكون بدافع الخوف فتسَّطِر الكلمات في غير موضوعها, وهذا الامر ليس وليدة اليوم, فالكثير من الرعاة كتبوا وزينوا التاريخ الاسود لأعتى طواغيت الدنيا كالذين كتبوا عن معاوية على أنه الداهية والحاكم الذين قاد المسلمين في ظروف صعبة أو بعضهم كتب عنه أنه خال المؤمنين وغير ذلك كثير, والحال أن الايام كشفت حتى عند محبيه والمخدوعين به أن معاوية ليس له أصل ولا فصل؛ بل لم يُعرف والده إلى اليوم ونسب إلى أبي سفيان غيلة, وبعد ان تبيَّن الامر جلياً سقطت قيمة الاقلام التي زينت ونقشت التاريخ لصالح معاوية, بل سقطت بسقوط معاوية, وهكذا الحال مع من كتب الكثير عن الصورة البراقة لهدام عليه اللعنة والعذاب ولكنه لم يقاوم المدَّ التصحيحي الموجه والذي أخذ على عاتقه فضح السرائر وكشف المستور فذهبت الصور التي نقشت أدراج الرياح وسقطت.

          والمؤسف أن المسيرة مستمرة فلا يزال هناك الكثير ممن لا يحسنون إلى القلم وقد أيقنوا أنه ستأتي النوبة عليه ويسقطون كما سقط الكثير قبلهم, والمشكلة في هذا الامر أن العبيد الذين يكتبون لا يكتبون لأنفسهم؛ بل لغيرهم وحينما تنكشف الحقائق فان الذي يسقط أولا صاحب القلم الذي استأجر نفسه لغيره, وهؤلاء بطبيعة الحال قد انقسموا إلى فريقين فمنهم من يكتب وهو يعلم انه لا يكتب الحقيقة إلا انه يكتب لغرض زائل وعارض ومنهم من يكتب ويتصور أنه يكتب الحقيقة وهذا هو الجاهل المركب الذي يستلزم نصحه وارشاده.

          والذي يهمنا في الامر أن حياة الأقلام لا تكون إلا حرَّة وهي لا تستمد قوتها إلا من الحقيقة, ولابد من احترام عقول المجتمعات عند تسطير الكلمات؛ لأن من حق الناس والمجتمع على الكاتب ان يكتب له الصحيح والواقع, وكلما يصدر عن القلم فهو بعين الله تعالى, ويحاسب الكاتِب على ما يكتب؛ بل إن جميع من يصدر عن الانسان يكون بين يديه يوم لا  ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم, ولعل أفضل تشبيه للأقلام المأجورة أنها كالبخيل الذي يعيش في الدنيا عيش الفقراء ويحاسب في الآخرة حساب الاغنياء, كذلك الكاتِب المأجور فقد انتفع بقلمه من لا يستحق ويقف غدا بين يدي الله تعالى ويسأل عن كل كلمة كتبها في غير أهلها وكانت سبب سقوطه في دنياه قبل آخرته.   

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
ali alsadoon
2020-07-14
احسنت .بارك الله فيك .
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك