المقالات

احلامٌ على التنور  


ضياء ابو معارج الدراجي

 

كل شيء في العراق اصبح جاهز للشواء على نار التنور شهي المنظر للسراق واللصوص بعيدا عن متناول ايدي صُناعه ومالكيه حتى الاحلام البسيطة باتت مستحيلة ليس بعد سقوط النظام فحسب لكنها امتداد الى سنوات طويلة قبل سقوطه ، لا استطيع الحكم عن السنوات التي سبقت ولادتي وسنوات طفولتي التي لم اعيها حتى اكون صادقا فيما اكتب.

بدأت الحكاية في سن التاسعة مع اول غارة جوية ايرانية على بغداد عام ١٩٨٠ ومنذ ذلك الحين تحولت كل احلامي الى كوابيس، اول جثة اشاهدها كانت لاحد أقربائي شاب في صندق خشب بزي عسكري تجمد الدم على جبينه و لاول مرة اسمعها كلمة شهيد وبعدها توالت الصناديق الخشبية التي تحتضن زهور قطفت على عجل قبل أوانها  لتكون مسألة الموت عادية جدا أتناول عشائي متفرجا على صورها في شاشة تلفازنا الملون دون أشمئزاز صور من معركة هدام لجثث لا نعرف اصاحبها منا ام منهم كان يبثها النظام الساقط في تلك الفترة وقت العشاء.

كانت اول فرحتي هي اعلان نهاية الموت عام ١٩٨٨ بقيت ثلاث ايام محتفلا برش المياة على السيارات المارة  افترش الحدائق والأرصفة بعمر السابعة عشر انشد حياة جديدة بعد ثمان سنوات من زكام الموت المقرف والخوف المرعب والشعارات الرنانة بالويل و الثبور ضد الخونة والاعداء.

سنتان وانقلب الموت الى جوع ومرض وموت اسود كل شيء محظور السكر والسمن والطحين والرز والملابس والسفر والكلام كل شيء يعني كل شيء  بسبب رعونه هدام باحتلال بلد عربي ليكون حصار عربي قبل ان يكون أمريكيا دوليا اذاب شحوم البشر واخلاقهم وقيمهم وكثرة الرشاوي والسرقات والتسليب والعاهرات ثلاثة عشر عام اصبح المال اقوى من القانون والاخلاق والقيم والمبادئ حتى جاء عام الخير ليغاث به الناس وسقط الساقطون  ليعيش الصامدون الجائعون من جديد  عام ٢٠٠٣ .

ابتسمت طويلا وانا اتكلم مع القوات الاجنبية المحررة ظنا مني انها شريفة انسانية ديمقراطية لكن بمرور الوقت والزمن اكتشفت الكثير من الامور المرعبة والقتل الممنهج كانت قوات تسعى لخلق حرب اهلية وقودها المواطن البريء كانت تسناد الضعيف ضد القوي ثم تعكس الامر عندما يضعف القوي ويقوى الضعيف وهكذا حتى تستمر في البقاء اطول فترة ممكنه دون حساب او رقيب.

منذ ٢٠٠٣ الى الان شغلت الناس بالحروب والشائعات والكذب والصدمات والموت الممنهج لتفسح المجال لاعوانها واصدقائها لسرقة ما يستطيعون من اراضي وأموال وصناعة مافيا في كل مجال حتى الشحاذة في شوارع بغداد لم تسلم منهم و سيطروا على كل مفاصلها كبقية المجالات الاخرى ذات الدخل المرعب و خصوصا الوزارت الريعية.

الكلام قد يطول والقصص بعدد نجوم السماء في ليلة بلا قمر قطع النور عن منازل فقراءها ترعبهم من شدة هول إعدادها .

كلنا اليوم ندور على حافة التنور الملتهب  ننتظر النضوج  حتى نُقدم كوجبة شهية دسمة لحرب اهلية اخرى تحاول ان تصنعها قوة لا تريد ان تتركنا بسلام نعيش ايامنا الاخيرة بهدوء وراحة.

  اربعون عام منذ كابوسي الاول لم تنضج احلامي بعد وانا في اول خطواتي الى الشيخوخة بعمر الخمسين ربما اعيشها فترة وربما يخطفني الموت المقدر في اي لحظة.

ــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك