زينب فخري
وغدا مصطلح "الجائحة" هو الأشهر هذه الأيام، وبات متداولاً في مختلف الأوساط كلازمة لفايروس كورونا (COVID-19)؛ بعد أن أعلنت منظمة الصحة العالمية أنَّ هذا فيروس يشكل "جائحة" (pandemic)، مميزةً إيّاه عن الوباء، لقدرته على الانتشار عالمياً متخطياً الحدود المحلية، ومتحدياً جهاز مناعة الإنسان.
ولعلَّ لفظة "جائحة" لم تحظَ في تاريخها بهذه الشهرة مثل ما حظيت به الآن بفضل كورونا ابن عائلة الفيروسات التاجية وليس من غيره!
ولا يخفى أنَّ سماع هذه اللفظة يثير في الأذهان ألفاظاً عربية أخرى قريبة من جرسها، ممَّا حفز قلمي لتتبع سمة التقارب بينها وبين تلك الألفاظ لاسيما المتباينة معها بحرف واحد أينما كان موقعه.
وممَّا لا شكّ فيه ستمسك المعاجم اللغوية بزمام الأمور لتسهيل هذه المقاربة اللغوية، ونشرع في بداية الأمر باللفظة مورد العناية:
جاَئِحة: هي اسم، وجمعها: جائحات وجوائحُ. ومعناها: بَلِيَّةٌ، تَهْلُكَةٌ، دَاهِيَةٌ. وسنة جائحة: أي سنة جَدْبة، غبراء، قاحلة. واجْتَاحَتِ الجائحةُ المالَ: (أي اهلكته). والجائحة: المُصيبة تحُلُّ بالرجُل في ماله فتجتاحُه كلَّه. والجائحة (في اصطلاح الفقهاء.. ما أَذهب الثمرَ أَو بعضَه من آفةٍ سماوية.
ثمَّ نأتي على أوَّل لفظة قريبة من جرسها، جَانِحٌة: وهي اسم، وجانح اسم فاعل، جمعها: جَوَانِحُ، جَاِنحَاتٌ. نقول: جَانِحُ البِنَايَةِ: الجَانِبُ مِنْهَا، الْمَائِلُ. ونقول: الوَلَدُ الجَانِحُ: أي الْمُرَاهِقِ الَّذِي يَجْنَحُ إِلَى ارْتِكَابِ الْمُخَالَفَاتِ وَالخُرُوجِ عَنِ القَانوُنِ. والحَدَثُ الجَانِحُ: مَنِ اقْتَرَفَ جَرِيمَةً.
وفي زمن كورونا الجائحة ازداد الجنوح إلى ارتكاب المخالفات وخرق الحظر الصحي.
واللفظة الأخرى القريبة، هي جامحة: مؤنث جامح، اسم فاعل من الفعل جَمَحَ: يَجمَح، جُموحًا وجَمْحًا وجِماحًا، فهو جامِح وجَموح، والمفعول مجموح إليه، والجمع جوامح. وجَمَحَ الفَرَسُ: رَفَضَ السَّيْرَ بالرَّغْمِ مِنْ إِلْحَاحِ صَاحِبِهِ، جَمَح الرجلُ: رَكِبَ هواه فلا يمكن ردُّه، جَمَحَتِ الْمَرْأَةُ عَنْ زَوْجِهَا: خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهِ إِلَى أَهْلِهَا. وجمحت السفينةُ: لم يتمكّن الملاّحون من ضبطها، جمَح الغَلاءُ: ارتفع واستمرَّ في الارتفاع دون ضابط، جَمَحَ من الحربِ: انهزم. جَمَحَ فِي سُلُوكِهِ: رَكِبَ هَوَاهُ لاَ يَرُدُّهُ شَيْءٌ.
والأمر المقلق في عهد كورونا هو أن تخرج الأوضاع عن ضبطها وإيقاعها ونهزم في حربنا ضدّ كورونا.
أما اللفظة الأخرى فهي جارحة: من جرَحَ يَجرَح، جَرْحًا، فهو جارِح، والمفعول مَجْروح وجريح. وجرَح جَرْحًا: أحدث شقًّا في الجلد أو البدن. وجرَح الشَّاهدَ: طعن في صدقه، جاء بما يُسقط عدالته ويردّ شهادته، - جرَح شعورَه/ جرَح كبرياءَه: آذاه، أساء إليه، أهانه، جرَح عواطفَه: أساء إليه قولاً أو فعلاً، - جرَح قلبه: سبّب له حُزْنًا وألمًا، - جرَحه بلسانه: سبّه وشتمه. جرَح الشَّيءَ: كسَبه أو فعله، ارتكبه أو اقترفه. وفلانٌ جارحُ أَهلِه: كاسبهم.
وحملت كورونا للبشرية من الأذية والإساءة ما يعجز اللسان عن الوصف، أما الكسبة في بلد لا يجيد إدارة الأزمات فهم أوَّل ضحايا هذه البلية.
ووصلنا للفظة دائحة: من الفعل دَاحَ: يَدُوحُ، مصدر دَوْحٌ. دَاحَ بَطْنُهُ: عَظُمَ وَتَدَلَّى إلَى أَسْفَل. ويقال: داحَت الشجرة تَدُوحُ إِذا عَظُمَتْ، فهي دائحة. دحا اللهُ الأرضَ بَسَطَها ومَدَّها ووَسَّعَها على هيئة بيضة للسُّكنى والإعمار.
وفي أيام كورونا يساورنا الخوف من أن تعظُم وتكبر هذه الأزمة لتزيد من أزمات هذا الوطن الذي بات يئن من شدَّة وطأة أزماته، ولا يفوتني القول أن هذه اللفظة لا صلة لها بلفظة (الدائحة في اللهجة العراقية).
ونقف قليلاً على سواحل لفظة سَائِحٌة: مؤنث سائح، فاعل من ساح، والجمع: سُيَّاحٌ، سَائِحَات. ذَهَبَ سَائِحاً عَلَى وَجْهِ الأرْضِ. وسَاحَ الماء جرى على وجه الأرض، وسَاحَ في الأرض يسيح سَيْحاً وسُيُوحا وسِيَاحَةً والمِسْياحُ بالكسر الذي يسيح في الأرض بالنميمة والشر.
ونجزم أنَّ كورونا تجيد السياحة في بقاع الأرض، ولم تسلم من سياحتها الدول الغربية ولا الشرقية، زارعة الهلع والفزع أينما مرّت.
ونقترب من لفظة زائحة: مؤنث زائح: اسم فاعل من زاحَ، ومعنى زاح عن مكانه: تنحى عنه وابتعد. وزاح مرضه: زال.
والمتداول أن كورونا ستزيح دولاً عن عروشها فضلاً عن إمكانيتها في إزاحة المبتلين من بيوتهم.
أما لفظة فائحة: مؤنث فائح اسم فاعل من فاحَ. فَيْح، مصدر فاحَ. فيَّاح: صيغة مبالغة من فاحَ. والفيح: صوت غليان القدر. وفاحَ المِسْكُ فَوْحاً وفُؤوحاً وفَوَحاناً وفَيْحاً وفَيَحاناً: انْتَشَرَتْ رائِحَتُه. وفَاحَ الشَّجَّةُ: نَفَحَتْ بالدَّمِ. وفاحت رائحة فلان: انتشرت أخباره السَّيِّئة، ظهرت حقيقته. وفاح الحرُّ: اشتدَّ.
والحقّ يقال أنَّ كورونا فاحت أخبارها السَّيِّئة، وظهرت حقيقتها للعالم أجمع.
وبلغنا لفظة نائحة: مؤنث نائح، وهو اسم فاعل من نوح وأنواح ونوح ونوائح ونائحات، ومعنى النائحة باكية نادبة في المآتم.
وأجزم أنَّ المآتم ستلغى بسبب كورونا وسيقلّ عدد النائحات، ولكن ستتولى بلدان عديدة هذه المهمة، وستقوم بدور النائحة وتندب حظّها ونظامها الصحي العاثر.
أما لفظة رائِحة، فهي مؤنث رائح، والجمع روائح. وهو مَا يُسْتَنْشَقُ، مَا يُشَمُّ سواء كان طيبًا أو نتِنًا. وتفوح رائحته: يظهر عدمُ صدقِه، يوحي بالشرِّ والفساد، ونقول: ما في وجهه رائحة دمّ: أي لا يستحيي ولا يقدِّر أو جاءَ فَزِعًا خائفًا.
وممَّا لاشكّ فيه أنَّ كورونا فايروساً لا يحدّه خجلاً ولا حياءً لنعاتبه ونلومه على ما اقترفه ضدّ البشرية ولكن اللوم والتوبيخ يتوجه إلى مَنْ بيده زمام الأمور، وهم يقفون مكتوفي الأيدي أمام محنة أفزعت البشرية جمعاء.
جائرة: من الفعل جارَ على / جارَ عن / جارَ في يَجُور ، جُرْ ، جَوْرًا ، فهو جائر، والمفعول مجورٌ عليه، جار على أرض أخيه تعدَّى عليها وانتهكها. وجار عن القصد والطَّريق: مال عنه وانحرف. وجار في حُكمِه: ظلَم، مال عن الحقّ وخالف العدلَ: سلطانٌ جائر. وجائر: وحرارة في الصدر أو الحلق من غضب أو جوع.
والبرهان الساطع كالشمس أنَّ كورونا انتهكت حقوقاً باعتدائها على الجهاز التنفسي وإهلاكه، منحرفة عن جادة الفايروسات التاجية، مخلفة غضب وألم في الشعوب المجور عليها، ويفوقها جوراً تلكؤ الحكومات في الإيفاء بالتزاماتها أمام شعوبها وانقاذها من أزماتها.
ولدينا أيضاً لفظة لائِحَةُ: اللائِحَةُ: الظاهرة. والجمع: لوائح. يقال: نظرت إِلى لوائحه، واللائِحَةُ مجموعة من المواد توضع لتنظيم العمل في هيئة أو مؤسَّسة.
ومن الواضح أنَّ هناك لوائح كالحجر المنزلي والنظافة يجب الالتزام بها كإجراء وقائي من هذه البلية كورونا.
ولفظة جَائِعٌة: جمع: جائعون، جائعات. جِيَاعٌ، جُوَّعٌ. فاعل مِن جَاعَ. وجُوعُ: ضِدُّ الشِّبَعِ، والجَوْعُ: المَصْدَرُ، جاعَ جَوْعاً ومَجَاعَةً، فهو جائِعٌ وجَوْعانُ، وهي جائعَةٌ وجَوْعَى، من جِياعٍ وجُوَّعٍ.
وجلّ ما نخشاه أن تقع الفئات المحرومة والفقيرة فريسة للجوع، وان يحدث ما لا يحمد عقباه إذا بقي الأمر مقتصراً على تمديد فترة الحظر دون العمل بجدية إلى وضع آليات تحد من آثار هذه الأزمة.
ونكتفي بهذا القدر من الألفاظ القريبة في الصوت، وكان واضحاً أن معنى "الجائحة" هي البلية والمُصيبة التي تحُلُّ بالإنسان، أما معاني الألفاظ التي تقاربها صوتياً فهي لم تتسم بالفرح والمرح ولم ينبعث منها السرور والحبور،.. ولكننا نأمل أن تكشف هذه الغمّة عن هذه الأمّة، وأن تبقى بهذه الهمّة ولا ينالها حِمّة.
ـــــــــــــ
https://telegram.me/buratha