رائحة الموت تفوح من ايامنا هذه بمقدار يجعلنا نستفيق من الغفلة ونتوقع لقاءه في اي لحظة كحد ادنى والتحضير له كحد اعلى نحتاج فيه الى توفيق من الله عز وجل ، وبينما يختبأ الموت في جسم غير مرئي يتوقع ان يدخل الى انفاسنا فيكتمها ولايحصل ذلك الا بمشيئة الله اجد نفسي صامتة ! تفزع وتعيش اجواء الاحتياط والحذر وتعمل على حفظ الذات كواجب في اوقات ولكن ليس بالمستوى المطلوب او على الاقل بمستوى الاخرين .
تسألت لماذا؟ فلا هي شجاعة والخوف هو احد اوجه الابتلاء ولا هي ثقة بحصاد عمل يكفي ان يحرقه عدم الاخلاص وذرات من الرياء ! ولاهو يأس وكيف نيأس من روح الله ؟!! وبين كل هذا لم اجد جوابا ً الا ان اكون ربما قد عشت الموت قبل هذا ؟!!! نعم في حياة كل منا كعراقيين فترة استنزفت فيها الروح قواها فعبرت المحنة ولكنها مثخنة بالجراح عاشت الموت بكل تفاصيله دون سلب الروح كاملة ! شيء بين النوم والموت ، هي حياة بطعم مر ولكنها مستمرة وهو البلاء التي تحيط به نعمة للانسان حيث ينسلخ من جدار رحم الدنيا فهو لم يخلق لها وانما هو عابر سبيل يمر فيها حتى بلوغ المقصد ، لذا فالمتأمل بوعي يجد ذلك الموت ايجابيا ً !
فمتى مت ايها العراقي ؟
مت مرة وانا طفلة حينما رفعت ستارة المطبخ بالخطأ والتفت ثلة من البعثيين الذين لم نفتح لهم باب الدار اننا بالداخل وبين ارتجاج الباب من طرقهم الوحشي وبين انتفاض جسدي تلك اللحظات اضعت كثيرا من التفاصيل غير انني اعي جيدا انني لم اخرج من الدنيا موتاً حينها ولكني خرجت من مرحلة الطفولة تلك اللحظة .
وفي عام 2006 شاهدت كل انواع الموت وسمعت صوته في شوارع بغداد عشرات المواقف التي انتزعت قلبي من اضلاعه فما رأيت يفوق ان تتحمله فتاة في العشرين والحبل الذي تمسكت فيه حينها هو هذا الموقع فكنت اكتب في اوقات متقاربة وكأني اريد ان اثبت شيئا ً قبل المغادرة كان يهمني ان يقرأ احد ذات يوم تاريخ تسجل في مواقف حياتي عسى ان يستفيد او يترحم !! كنت اريد ان اضيف في حروفي عمرا ً مجازيا ً وحرصت على ان اتكلم قبل ان اموت فمدة الكتم عبرت العقدين من الزمن وكان لابد من التعويض . لقد مكثت في ذلك العام اكثر من غيره وكثيرا ما اقلب صفحاته في ذاكرتي بمجرد ما اخلو لنفسي خاصة استذكار وجوه من فقدنا في ذلك العام الحزين .
في اعتقادي الشخصي ان الموت له ثلاثة ابعاد ، بعد يأتي من عمق الماضي ليلقي بظلاله على حياتك اذا ما تفاعلت معه فتموت عنده بان تخلع نعليك وتمشي في قداسته فهو كالبلورة التي تغلفك طيلة المسيرفتعيش له وبه وهو ارقى انواع الموت وموت اخر يأتي اثناء مسيرة حياتك فيكسر فيك هوى نفسك فتسير منكسرالقلب قوي الشكيمه واعي لمقصدك مدرك لقدرك الضئيل والموت الاخير وهو الرجوع الى باطن الارض لتتهيأ لحياة اخرى .
ويبقى الموت بموقف من عمق التاريخ نسمة تلفح وجوه المؤمنين ونعمة ما بعدها نعمة فياترى عند اي موقف فقدت فيها جزء من روحك واطرقت ببصرك وخلعت نعلك ووهبت ما بقي من عمرك له ؟ .
ربما لم يدرك الشاعر جابر الكاظمي ان تسبب في موتي على باب الزهراء ع حينما كتب قصيدته فعبر عن وضعه وختم بالتساؤل ( حرت وعيوني ما تنشف دمعها صدك ام الحسن كسروا ضلعها ؟!!!) ثم طلب جوابا ً ليجعلني اسيرة ذلك الموقف ولجواب اليم يفسر لنا ما ال اليه حالنا فلا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم .
اللهم بحق من كسر ضلعها ولم تكد تتنفس ان تبث في صدور المؤمنين الصحة والعافية وتشفي صدورهم بكتابك وبظهور حجتك عج .
المهندسة بغداد
https://telegram.me/buratha