زينب فخري
كثيراً ما يلجأ مخرجو الأفلام والمسلسلات العالمية لتصوير مشاهد من الجو، بل أضحى فنّ التصوير السينمائي من الجو، من اللقطات الخارجية الجميلة التي لها دور في نجاح الفيلم أو المسلسل وشدّ انتباه المشاهدين، وهذه اللقطات غالبًا ما تستخدم لتكوين فكرة عامة عن المدينة أو مكان ما أو موقع الفيلم أو المسلسل، ومن النادر أن يخلو فيلم أجنبي من هذه اللقطات الجوية.
لكن بعض المسلسلات المحلية التي عرضت مؤخراً وتحديداً في شهر رمضان المبارك من شاشات قنواتنا الفضائية، أدمت قلب المشاهد؛ لوجود لقطات اقتنصت من الجو لبغداد، وهي تثير شجون المتابع وحزنه وأسئلته!
فتصوير لقطات لبغداد من الجو صباحاً أظهر بغداد عبارة عن بيوت، تبدو كأنها مربعات خاوية، لا تتصف بطراز معماري ذات جمالية وليست هي بيوت تعبق بالتراث وأريجه أو تتسم بهندسة معمارية حديثة.
وهذا البيوت المربعة من الجو تذكر المشاهد بالمتاهات الاختبارية التي تعرض في أفلام الرعب، لونها باهت يميل غالباً للأصفر، غير متناسقة المساحة وجدرانها هي الأخرى غير متساوية الحجم، مرصوصة، مكشوفة للتصوير، فاضحة ما على سطحها من خزانات المياه البلاستيكية الحُمُر أو المعدنية الفضية اللون، ومن حبال وصحون التلفاز ووسائل للاتصال بالانترنيت!
ومن المعروف في فنّ التصوير أن اختيار اللقطات له دلالات رمزية ونفسية وجمالية؛ لذا لا نعرف بالضبط المغزى من تصوير هذه المشاهد، هل للتذكير أن بغداد لا تملك بنياناً جمالياً ولا هندسة حديثة وباتت تشكو وتضج من الإهمال العمراني؟!
بالتأكيد من حقّ المخرج وكادر التصوير والمسلسل أن يواكبوا التطور في فنّ التصوير وتقنياته التي لحقت به واستعماله للطائرة الكاميرا للتصوير من الجو، بل قد يعاب عليهم عدم أخذهم بالمستجدات في عالم التصوير، ومنها التصوير الخارجي واللقطات من الجو، لكن الموقع المختار مهم للغاية ودلالاته للمتلقي!
فبغداد ليست كالمدن الأمريكية التي بلقطات من الجو ستدهش المشاهد، ويشدّ لمدنها؛ لعمرانها المتسع، الفائق للخيال، ولضخامة بناياتها وجمالية هندستها.. ومسلسلاتنا ليست كالأفلام الهوليودية، "كالرجل العنكبوت" الذي يحتاج للتصوير من الجو، والكاميرا تتابعه من فوق سطوح البنايات وتقافزه من فوق هذه إلى تلك، ومن ذلك الشارع الى ذاك، ولا من أفلام (الأكشن) التي تظهر للمشاهد لقاء العصابات بتصوير من الجو، مبرزة كل ما يحيط بهم لأغراض سينمائية!
وربّ قائل يقول ليس من الانصاف المقارنة بالولايات المتحدة؛ إذن لنقارن مع بلد عربي، ولنضرب مثلاً بالإمارات العربية المتحدة وتصويرها من الجو، لتبدو للمشاهد العمارات الشاهقة والمساحات الخضراء والأبراج والشوارع، في عرض دعائي ناجح للاستثمار والإقامة ومآرب أخرى!
وقد نجابه بالاعتراض للمقارنة بالإمارات أيضاً؛ فلنغادرها ونستشهد بلقطات من أفلام ومسلسلات جمهورية مصر العربية، لنرى التنوع في اللقطات من الجو من تصوير الحارة الفقيرة وحركة ناسها إلى تصوير الآثار فوق الاهرامات وسط صحراء وتلال صخرية، إلى لقطات كاشفة مدى التطور العمراني اللاحق بالمدن في القاهرة وغيرها.. أقل ما يقال عن هذا التصوير الجوي هو استثمار هذه اللقطات لعرض إعلاني للسياحة لمصر!
ويبقى السؤال ما الهدف من تصوير بغداد من الجو، وهي بهذه الحالة العمرانية المزرية؟!
https://telegram.me/buratha