المقالات

المرجعية الدينية العليا والنظام السياسي في العراق ..

1394 2019-07-26

حسين فرحان

 

مما يدعو للاستغراب أن ترتفع أصوات البعض للمناداة والمطالبة بتغيير الواقع السياسي العراقي الذي أقر في دستور كتبته الأيادي العراقية .

و مما يدعو للدهشة أن يعود البعض للمطالبة بتغيير يقاد بالفكر الأنقلابي بعد عقود من مهزلة التجارب الحكومية التي تقاد بفكر الحزب الواحد والقائد الضرورة وشعارات الحرية والديمقراطية والعدل والمساواة التي لم تجد طريقها للتنفيذ إلا بنحو يثري صفحات جرائد الحزب التي سأم هذا المجتمع تداولها وهي المستهلة في كل صباح مضى بالتمجيد والتقديس للقائد الضرورة .

اصبحنا نؤمن بأن الذاكرة المثقوبة التي يمتلكها هؤلاء الدعاة الى العودة للوراء هي حقيقة وليست وهما .. أصبحنا نؤمن أن العقلية التي تنتظر البيان رقم ١ هي عقلية موجودة بالفعل .. أصبحنا نؤمن بأن ثقافة السحل ماتزال حاضرة وأن كل الطرق في عقول هؤلاء معدة للعودة إلى الأنظمة الديكتاتورية المستبدة ولسنا نعلم لعل جلد العبد إشتاق لعصا سيده .

جميع هذه الأصناف والفئات التي تعشق العبودية هي نفسها التي تمتلأ صفحاتها في الفيسبوك بمنشورات المنبهر من تقدم الغرب وسياسة الغرب وثقافة الغرب وإنسانية الغرب .. وهي نفسها التي تتغنى بأمجاد الزمن الجميل وهي نفسها التي تؤمن بالفكر الإنقلابي .. فأي تناقض هذا وأية ازدواجية ؟ فالغرب الذي تتمنون الوصول إلى عشر معشار ماوصل إليه من تقدم تخلى منذ عقود عن الفكر الإنقلابي وصار يؤمن بالتداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع التي تعطي لكل ذي حق حقه .. فإذا رجحت كفة حزب على حساب حزب آخر أو كتلة انبرى الآخر ليقف موقف الرقيب المعارض الذي ينتقد نقدا بناء دون أن يكون له دور في المسؤوليات التنفيذية إذ أن المنطق يفرض عليه أن يكون طرفا من أطراف المعادلة لا أن يضع قدما هنا وأخرى هناك .

الغرب الذي يعيش الديمقراطية ويمارس هذا التداول السلمي للسلطة ويزدهر بفضل حسن اختياره للأشخاص هو النموذج الذي نطمح إليه جميعا لكن هل أن طموحنا هذا متزامن مع انعدام وجود نظام ديمقراطي لدينا ؟ الجواب واضح وهو أن النظام الذي نعتمده لايختلف بشيء عن تلك الأنظمة الا في بعض التفاصيل لكنه على العموم نظام يرعى أن يكون الشعب هو صاحب القرار، فقد رأت المرجعية الدينية العليا أن يكون لهذا الشعب قوله الفصل في اختيار من ينوب عنه ممثلا في برلمان تنبثق منه رئاساته الثلاث ومن خلالها يدار البلد بالطريقة التي تدار بها شؤون البلدان المتحضرة التي نعجب كثيرا بها .

المرجعية العليا أرادت لأبن بغداد والبصرة والموصل وميسان والأنبار والسماوة وديالى وصلاح الدين وذي قار وغيرها من مدن العراق أن يكون له صوتا مؤثرا في تحديد مصيره، وأرادت لتلك المهزلة التاريخية ( مهزلة الحكم ) التي تقوم على الانقلابات أن تنتهي ويكف الجمهور عن التصفيق لكل قادم جديد، فوقفت بوجه المحتل وفرضت إرادتها في أن يتم انتخاب جمعية وطنية تشرف على كتابة الدستور العراقي بأيد عراقية تحدد فيه طريقة الحكم وقد حدث ذلك رغم امتعاض بعض القوى الإقليمية والدولية .

فلماذا يرفض البعض هذا النظام في العراق ويصفق له حين يراه في الغرب ؟ هل تسائلنا يوما عن الخلل، هل هو في النظام أم في التطبيق لهذا النظام ؟

القضية العراقية بحاجة إلى وقفة مع الذات ... بحاجة إلى تأمل وإعادة نظر .. بحاجة إلى شجاعة في إرادة التغيير نحو الأفضل لا إلى العودة بهذه الأجيال إلى زمن الحزب الواحد والقائد الضرورة والعمالة للغرب والحروب والمقابر الجماعية الذي عبرت عنه المرجعية العليا فقالت : ( وأنه لابد من تفادي الوقوع في مهالك الحكم الفردي والنظام الاستبدادي تحت أي ذريعة أوعنوان ) .

القضية العراقية بحاجة إلى أن يتخلى الجمهور عن حزبيته وعشائريته ولو بنحو يميز فيه بين الحق والباطل والصالح والطالح ولسنا نعلم هل صمت الآذان عن نداء ( دعوا الوجوه التي لم تجلب الخير لهذا البلد ) وهل عميت الأعين عن مشاهدة هذا الفساد الكبير الذي أسس له من قبل أحزاب المحاصصة المقيتة.

الخلل واضح جدا ولايخفى على العقلاء فليس للنظام الذي ارتأته المرجعية العليا ذنب وقد أقر في دستور عراقي كتبته أياد عراقية ليعلن فيه عن نظام تتبعه أغلب الدول المتقدمة لكنها المصالح الشخصية والفئوية الضيقة المليئة بالصراعات والنزاعات والتكالب على السلطة وماهي إلا نتاج مجتمع اختار انتمائه الحزبي والعشائري على حساب الكفاءة والنزاهة وكم من قائمة نزيهة أو مرشح مستقل لم يكن لهم حظ في أصوات الناخبين بسبب الضوضاء الحزبية التي خدعت الجماهير وما تزال بوعود كاذبة اعتادت عليها.

لقد ذكرت المرجعية العليا في بيانها الصادر في ١٧ شعبان ١٤٣٩ جملة من الشروط التي لو تم مراعاتها فسيكون من شأنها تقويم المسار الانتخابي وأن يكون مؤديا الى نتائج مرضية منها :

- أن يكون القانون الانتخابي عادلاً يرعى حرمة اصوات الناخبين ولا يسمح بالالتفاف عليها. ومنها: أن تتنافس القوائم الانتخابية على برامج اقتصادية وتعليمية وخدمية قابلة للتنفيذ بعيداً عن الشخصنة والشحن القومي او الطائفي والمزايدات الاعلامية. ومنها: أن يُمنع التدخل الخارجي في أمر الانتخابات سواء بالدعم المالي أو غيره، وتُشدّد العقوبة على ذلك. ومنها: وعي الناخبين لقيمة اصواتهم ودورها المهم في رسم مستقبل البلد فلا يمنحونها لأناس غير مؤهلين ازاء ثمن بخس ولا اتّباعاً للأهواء والعواطف او رعايةً للمصالح الشخصية او النزعات القَبلية او نحوها.

ومن المؤكد ان الاخفاقات التي رافقت التجارب الانتخابية الماضية ـ من سوء استغلال السلطة من قبل كثيرٍ ممن انتخبوا او تسنّموا المناصب العليا في الحكومة، ومساهمتهم في نشر الفساد وتضييع المال العام بصورة غير مسبوقة، وتمييز أنفسهم برواتب ومخصصات كبيرة، وفشلهم في اداء واجباتهم في خدمة الشعب وتوفير الحياة الكريمة لأبنائه لم تكن الا نتيجة طبيعية لعدم تطبيق العديد من الشروط اللازمة ولو بدرجات متفاوتة ـ عند اجراء تلك الانتخابات، وهو ما يلاحظ ـ بصورة او بأخرى ـ في الانتخابات الحالية أيضاً، ولكن يبقى الامل قائماً بإمكانية تصحيح مسار الحكم وإصلاح مؤسسات الدولة من خلال تضافر جهود الغيارى من ابناء هذا البلد واستخدام سائر الاساليب القانونية المتاحة لذلك" .

نحن مع هذا الأمل ونتمنى أن تتضافر جهود الغيارى في سبيل تحقيقه بدلا من التفكير بعقلية الأنقلاب والفوضى أوالمعارضة التي تمارس الحكم وتعارضه .

..................

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك