العقم في المفهوم البيولوجي هو عدم القدرة على الإنجاب إما لأسباب طبيعية لا قدرة للإنسان عليها، وإما لأسباب طارئة يمكن تحديها والتغلب عليها. ولا يقتصر مفهوم العقم على المعنى البيولوجي ، بل قد يمتد لكثير من مناحي حياتنا الاجتماعية ، وأخطرها بلا شك في الجانب السياسي. وخطورة العقم السياسي أن السياسة تتعامل مع القوة والسلطة في المجتمع والقدرة على اتخاذ القرارات السياسية الملزمة والشرعية والتي تستهدف معالجة المشاكل والقضايا الاقتصادية والاجتماعية، وقضايا الأمن والاستقرار، والسياسة بهذا تتفاعل مع مع الكل وليس الجزء. هنا تبدو خطورة أن تصاب السلطة السياسية بحالة من العقم السياسي، بمعنى عدم قدرتها تجديد نفسها، وعدم قدرتها على اتخاذ قرارات صائبة سديدة وأسباب العقم السياسي كثيرة نستبعد منها الأسباب الفطرية، فلا بوجود نظام سياسي عقيم سياسياً بالفطرة، وإلا لكان هذا النظام قد اندثر وطوته صفحة الزمان. وعليه، فالأسباب الحقيقية للعقم السياسي هي أسباب مكتسبة ومتراكمة عبر عملية تنشئة سياسية واجتماعية طويلة، أصابت بيئة السلطة السياسية بحالة من الشلل والعقم الذي من شأنه أن يحوِّلها إلى أسطورة ووهم ووحش هائل بتعبير الفيلسوف الإنجليزي هوبز. تتأصل عبر عملية التنشئة الطويلة مفاهيم وثقافات بالية كتمجيد الحاكم وتاليته والخوف من العقاب وتحول المواطن الى باحث عن لقمة عيشه لا باحث عن الحرية. والنتيجة الحتمية لهذا الوضع انتشار حالة من العقم السياسي تصيب المجتمع كله، فلا السلطة قادرة على الإنجاب وتجديد نفسها، ولا المحكومين قادرين على المقاومة والحراك، وهذا ما يفسر لنا حالة التراجع والانكماش السياسي التي نعاني منها لعقود طويلة وفى مثل هذي بيئة تغيب ظاهرة الإبداع وهو نقيض العقم، وأيضا القدرة على التعامل مع المواقف وظاهرة التطور وهى تلقائية فى المجتمع، وأيضا القدرة على مراجعة ونقد الذات والشجاعة على الاعتراف بحالة العقم. ولإفساح المجال أمام الإبداع والقدرة على الإنجاب نحتاج أولاً إلى معالجة كل أسباب العقم فى البيئة المادية والبشرية التى يعيش فى سياقها المواطن، وهو ما يحتاج منا الى مراجعة شامله لكل مراحل التنشئة وآلياتها وأدواتها بما يسمح معه من ولادة إنسان قادر على التفكير، وثانياً على النقد، وثالثاً على المراجعة والتقييم. وهنا أهمية توفير بيئة سياسية غير محبطة ومجهضة تسمح بالقدرات المكبوتة في الانفجار والتعبير عن ذاتها بحالة من الولادة الطبيعية الخلاقة. وهكذا تبدأ عملية علاج العقم عبر عملية مستمرة ومنتظمة سواء على مستوى السلطة أو المجتمع. فعلاج العقم السياسي يبدأ من المجتمع نفسه وإذا ما نجحنا وأصلحنا واقعنا واستأصلنا أسباب العقم الداخلية نكون قد وصلنا واقتربنا من علاج ناجع لأمراضنا السياسية المزمنة. وكما في الحياة البشرية، في الحياة السياسية تنشأ الحاجة إلى علاج العقم من الأسباب ذاتها، لأن في هذه الحالة تكون السلطة قد وصلت عبر مفاهيمها وأدواتها إلى حالة من العجز وعدم القدرة على الإنجاز والأداء، ومن ثم قد تنطوي وتندثر، أو أن تتحول إلى سلطة غريبة. وبتعبير طبي تكون السلطة قد وصلت الى نهاية عمرها الإفتراضي
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha