كاظم الخطيب
طالما كانت مبادئ القيام الحسيني على مدى العصور، مناراً يهتدي بها الأحرار، ودروساً تلهب مشاعر الثائرين، فأصبحت الشعائر الحسينية، نهجاً قد تخطى جميع الحدود الجغرافية، وولاءً قد تجاوز كل الإختلافات العرقية؛ فكانت صرخة مدوية بوجه الظلم والظالمين، وجعلت من كربلاء كعبة للعشق، تحج إليها القلوب، وتسعى إليها النفوس، من كل حدب وصوب، فتصرخ الضمائر، وتصدح الحناجر، وهي تهتف بلسان واحد رغم إختلاف ألسنتها، لبيك يا حسين.
لذلك فقد واجهت هذه المبادئ، من قبل قوى الإستكبار العالمي، وأقطاب الفكر السلفي في المحيط الإقليمي، حملة من التضليل والتعتيم، ومحاولات لتشويه وتزييف حقائق القيام، والحيلولة دون إطلاع عامة الناس على مبادئ وسمو أخلاقيات هذه الثورة، التي كان من شأنها: تقويض مشاريعهم التضليلية، وفضح ممارساتهم القمعية، وتحريض الناس، على المطالبة بحقوقهم، وعدم الركون للظلم والظالمين.
إن تعدد أهداف ومرامي الثورة الحسينية، جعل من جبهة المواجهة، وتيار الممانعة، جبهة عريضة، وتياراً قوياً شرساً؛ كونها- كربلاء- قد دعت إلى الإصلاح، الذي يشمل محاربة جميع أوجه الفساد، سواءً كان ذلك إصلاحاً في الحكم، أو في الإدارة، أو في الأخلاقيات العامة، من قبيل الأفكار المنحرفة كالتطرف، والمغالاة، والسلوكيات الشاذة، وجميع ما يخالف شريعة السماء، والدعوة إلى الكمال الأخلاقي، الذي جاء به نبي الرحمة محمد المصطفى- عليه وعلى آله أفضل الصلوات وأتم التسليم-.
في العراق.. تجسدت المواجهة بين حكومة البعث- الكافر بالمبادئ والقيم الإنسانية- وبين العقول النيرة، التي جعلت من الشعائر الحسينية منهجاً لمقاومة البعث والبعثيين، وتحدياً لطغيانهم، من خلال الإستعداد للتضحية بالنفس والمال والولد، تأسياً بالإمام الحسين عليه السلام؛ فكانت زيارة الحسين تمثل رعباً لأزلام البعث، فقد كانوا يستنفرون أقصى طاقاتهم، لمنع الزائرين من الوصول إلى كربلاء التضحية والإباء، لزيارة سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين- عليه السلام-.
تجسد هذه المواجهة مرة أخرى بعد زوال حكومة البعث، لكن بوجه أخر من أوجه الصراع، فقد كانت هذه المرة، بين المبادئ الحسينية ذاتها، وبين من يَدعون الدفاع عنها، والحرص على تجسيد مبادئها؛ لأنهم إصطدموا معها، في جبهة الشهوات الآنية، وصخرة الأطماع الشخصية، عندما أبهرتهم هيبة السلطان، وروعة الصولجان.
لقد نسوا أو تناسوا، إنهم لن يستطيعوا أن يملكوا كما ملك يزيد، وأنهم لن يقدروا على ما قدر عليه صدام، لكن هواهم قد غلبهم، وطمعهم قد أعماهم، ولم يعوا بأنه لابد لهذه المبادئ من أن تقف بوجوههم، وأن تهزأ من جبروتهم، لترتفع راية الإصلاح والتغيير، وتكون ثورة الحسين: نبراساً للثائرين، ودعوة لإقتلاع جذور الفاسدين، وفضح ممارسات الخائنين، وكشف زيف العملاء المتصهينين، وأن تكون دافعاً لجميع أبناء الشعب العراقي؛ لدعم الجهود الخيرة، والمساهمة الفاعلة، في بناء العراق الموحد، وترك الخلاف، وقطع الطريق على دعاة الفتن، وتمكين الأمة من إستغلال ثرواتها، بما يخدم مصالح جميع أبنائها، والشروع بحملة البناء والإصلاح ؛ التي دعت إليها المرجعية المباركة، وتطلع إليها كل الشرفاء والأحرار من أبناء العراق.
https://telegram.me/buratha